في منطقة كانت تُصنَّف من قبل بأنها إنسانية، حيث دعت القوات الإسرائيلية سكان غزة بالنزوح نحوها مراراً، فوجئ سكان دير البلح بطلب الجيش الإسرائيلي إخلاء الأجزاء الجنوبية الغربية منها، بحجة وجود أنشطة لفصائل فلسطينية. في الوقت ذاته، سقط، يوم الأحد، أكثر من 70 قتيلاً فلسطينياً في شمال غربي قطاع غزة، بعدما تجمعوا للحصول على الدقيق (الطحين)، في أعقاب السماح بدخول 8 شاحنات منه لأول مرة منذ أكثر من أسبوع، عبر منطقة موقع زيكيم العسكري. كما ذكرت مصادر طبية أن ما لا يقل عن 10 فلسطينيين قُتلوا في انفجار طائرات مسيرة انتحارية بخيام النازحين في مواصي خان يونس بجنوب القطاع. في بيان إلكتروني، تبعه إلقاء منشورات، طالب الجيش الإسرائيلي بإخلاء أجزاء من دير البلح كلياً، بما في ذلك خيام النازحين، قائلاً إن الهدف هو «العمل بقوة كبيرة لتدمير قدرات العدو، والبنى التحتية الإرهابية» في المنطقة. وهذه المرة الأولى التي يعمل فيها الجيش الإسرائيلي بتلك المنطقة منذ بداية الحرب، مستخدماً ذات الذرائع التي استخدمها لتنفيذ عمليات مماثلة في أماكن أخرى بالقطاع، ودعا السكان للنزوح جنوباً إلى المواصي. فلسطينيون ينقلون قتلى وجرحى سقطوا خلال محاولة الحصول على مساعدات إنسانية في قطاع غزة يوم الأحد (أ.ف.ب) ويوجد في تلك المناطق ما يقرب من 100 ألف فلسطيني، بعضهم ممن نزحوا من جنوب القطاع إلى وسطه. وتقع المربعات السكنية التي طلب الجيش الإسرائيلي إخلاءها في منطقة تفصل ما بين دير البلح وسط قطاع غزة وخان يونس جنوباً، وبها أكبر محطة لتحلية المياه يدعمها الاتحاد الأوروبي، وقد توقفت عن العمل قبل أشهر، بعدما أوقفت إسرائيل خط الكهرباء المخصص لها. وفي حال سيطرت القوات الإسرائيلية على تلك المنطقة براً، فإن ذلك يعني حرمان سكان قطاع غزة من جزء جديد من الأراضي الزراعية في شمال المواصي. الأمر الذي سيفاقم من ظروف مجاعة قاسية بالفعل. تُقدّر مصادر ميدانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف من هذه العملية هو شقّ محور جديد يفصل خان يونس عن مناطق وسط القطاع، مشيرةً إلى أن القوات الإسرائيلية تسعى باستمرار لفصل المناطق بعضها عن بعض، وإلى أن إسرائيل فعلت هذا من قبل، حين فصلت رفح عن خان يونس. وتوقعت المصادر تكرار نفس الأمر ما بين خان يونس ومناطق الوسط. وأشارت إلى أن القوات الإسرائيلية قد تلتف من المنطقة الشمالية لخان يونس لاقتحام المناطق الجنوبية الغربية من دير البلح، وبذلك تقطع أوصال المنطقة عن مناطق أخرى من المدينة، كما فعلت بتقطيع أوصال وسط وشرق خان يونس عن غربها، من خلال شقّ ما يُعرف باسم محور «ماجين عوز». تزاحم للحصول على طعام من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز) ولا تستبعد المصادر في ظل عدم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار، أن تسعى القوات الإسرائيلية للسيطرة الكاملة على محور نتساريم، بما يفصل مناطق وسط القطاع عن شماله. وهي تسيطر حالياً على الجزء الشرقي من ذلك المحور، في حين أنها تترك، منذ وقف إطلاق النار السابق في يناير (كانون الثاني) الماضي حتى بعد انتهائه في 18 مارس (آذار)، الجزء الغربي من شارع الرشيد مفتوحاً للتحرك ما بين شمال ووسط وجنوب القطاع. وفي حال قسمت إسرائيل مناطق القطاع إلى عدة مناطق منفصلة بعضها عن بعض، فستكون قد أحكمت بذلك سيطرتها الكاملة على مختلف المناطق، وزجَّت بالسكان في مناطق ضيقة، غالبيتها ستكون على أجزاء من الشريط الساحلي. وترى إسرائيل في خطواتها على الأرض أنها تهدف للضغط عسكرياً على حركة «حماس»، لدفعها لتقديم مزيد من التنازلات، في إطار المفاوضات غير المباشرة الجارية في قطر. مع تفاقم الجوع الذي بات يفتك بمن في القطاع، صغاراً وكباراً، هرول كثيرون صوب نقاط قريبة من موقع زيكيم العسكري انتظاراً لشاحنات طحين، هي الأولى منذ أكثر من أسبوع. لكن القوات الإسرائيلية باغتتهم بالقصف المدفعي وإطلاق النار من الطائرات المسيرة. الأمر الذي أدّى إلى مقتل العشرات وإصابة ما يزيد عن 150 بجروح متفاوتة، غالبيتهم من الشبان والفتية والأطفال، وبعضهم من النساء. فلسطينيات يحاولن الحصول على طعام من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الأحد (رويترز) وقالت وزارة الصحة بغزة، في بيان، إن عدد من وصل للمستشفيات من منتظري المساعدات منذ فجر الأحد «بلغ 73 شهيداً، منهم 67 شهيداً في شمال قطاع غزة»، في حين تجاوز عدد المصابين 150، منهم حالات «خطيرة جداً». وبذلك يكون أعداد الضحايا من منتظري المساعدات، وكذلك من قتلوا عند نقاط توزيع المساعدات المدعومة أميركياً، قد بلغ أكثر من ألف شخص منذ نهاية مايو (أيار) الماضي، حين بدأت هذه النقاط بالعمل. وبينما لم تعقب إسرائيل على سقوط هذا العدد الكبير من القتلى، الذي جاء بعد يوم واحد من مقتل 30 آخرين جنوب قطاع غزة، صباح السبت، اعتبرت حركة «حماس» ما حدث بمثابة «إمعان في حرب الإبادة الوحشية، واستخدام المساعدات والتجويع لاستدراج الأبرياء وقتلهم والتنكيل بهم». وقالت: «️إن ما يجري في قطاع غزة هو جريمة كبرى يُستخدم فيها القتل والتجويع والتعطيش أداة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية، ما يستدعي من العالم التحرك الفوري لوضع حدّ لهذه المأساة الإنسانية». أم تحتضن يوم الأحد جثمان رضيعها ذي الثلاثة أشهر الذي توفي نتيجة سوء التغذية في خان يونس (رويترز) يأتي هذا في خضم وضع إنساني صعب وظروف قاسية، عادت فيها المجاعة بشراسة إلى القطاع، وزادت أعداد الوفيات بفعل سوء التغذية بشكل ملحوظ في الأيام الماضية، حيث توفي 7 أطفال في غضون نحو 3 أيام. وقالت وزارة الصحة في غزة إن 18 فلسطينياً توفوا بسبب المجاعة في القطاع خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية
بعد ان ابرزت في مقال سابق التحايل الكبير الذي اعتمده رئيس الحكومه باختياره 2020 كسنه مرجعيه لمقارنه حصيله حكومته في المجال الاقتصادي والمالي والاجتماعي, وما يؤدي اليه هذا الاختيار الخاطئ دستوريا وسياسيا واقتصاديا واخلاقيا من تغليط للراي العام بهدف ابراز انجازات معينه والنفخ فيها, ساتطرق في هذا المقال للملاحظات التي تستدعيها بعض الارقام والمؤشرات التي قدمها رئيس الحكومه في معرض جوابه خلال جلسه المساءله الشهريه ليوم الثلاثاء 15 يوليوز الجاري بمجلس المستشارين, في موضوع الحصيله الاقتصاديه والماليه واثرها علي ديناميه الاستثمار والتشغيل ببلادنا. وتتلخص اهم الملاحظات فيما يلي: اولا- تُفَنِّدُ الارقام والمؤشرات الاقتصاديه والماليه الرسميه المحققه خلال السنه المرجعيه التي علي رئيس الحكومه ان يقارن بها حصيلته الاقتصاديه والماليه, وهي سنه 2021 وليست سنه 2020, ادعاءات رئيس الحكومه وحرصه علي تسويد الوضعيه المرجعيه التي انطلقت منها حكومته, اذ تشهد الارقام الرسميه المحققه سنه 2021 علي العكس, وتثبت بما لا يدع مجالا للشك علي ان الحكومه الحاليه ورثت وضعا ومسارا ايجابيا علي المستوي الاقتصادي والمالي والاجتماعي, اذ ان معدل النمو المحقق سنه 2021 بلغ 8,2%, بعد انكماش بلغ 7,2% سنه 2020, وهو اعلي معدل يحقق منذ سنه 1997, وتقلص عجز الميزانيه من 7,1 % الي 5,9% من الناتج الداخلي الاجمالي, وتراجعت نسبه مديونيه الخزينه من 72,2% الي 68,9% من الناتج الداخلي الاجمالي, وتم احتواء تفاقم العجز الجاري لميزان الاداءات في 2,3% من الناتج الداخلي الاجمالي, وارتفع تدفق الاستثمارات الاجنبيه المباشره من 26,3 الي 31,9 مليار درهم, وتحسنت الاصول الاحتياطيه الرسميه من العمله الصعبه لتبلغ 330,8 مليار درهم, اي ما يناهز 6 اشهر من واردات السلع والخدمات, وهذا ما يدل بوضوح علي ان الاقتصاد الوطني والماليه العموميه وبعد ان عاشت سنه صعبه واستثنائيه خلال 2020, عادا وبسرعه الي التعافي سنه 2021 وتم تسجيل كل هذه النتائج الايجابيه والمحفزه. ثانيا- اخطا رئيس الحكومه وهو يؤكد في معرض جوابه بان ميثاق الاستثمار ظل يراوح مكانه منذ 20 سنه, وهذه مغالطه كبيره باعتبار ان القانون-الاطار رقم 18.95 بمثابه ميثاق للاستثمارات الصادر في نونبر 1995, والذي وصفه رئيس الحكومه بهذا الوصف المعيب وغير المسؤول شكل في وقته تحولا نوعيا في مجال دعم وتشجيع الاستثمار ببلادنا, ومكن منذ ذلك الحين, من تحقيق نقله حقيقيه -كما وكيفا- في مجال الاستثمار, وهو ما يؤكده حجم ونوعيه الاستثمارات التي شهدتها بلادنا منذ ذلك الحين ولاسيما في السنوات الاخيره والتي واكبت مختلف الاستراتيجيات القطاعيه والمشاريع الكبري, وهو ما شهد به رئيس الحكومه نفسه في معرض جوابه بانه تمت المصادقه علي 386 مشروعا استثماريا خلال العشر سنوات التي سبقت تعيين هذه الحكومه (بين 2012 و2021), اي بمعدل 39 مشروعا في السنه. كما ان رئيس الحكومه تجاهل وهو ينسب لنفسه ميثاق الاستثمار الجديد موضوع القانون-الاطار رقم 03.22, ان يعترف ان هذا الميثاق جاء نتيجه عمل جاد وطويل استمر لسنوات من التشاور والاعداد في عهد الحكومتين السابقتين, وانه استفاد من هذا العمل والتراكم ووجد نصا قانونيا جاهزا لا ينتظر سوي ان يعرض علي المسطره التشريعيه وهو ما كان. ثالثا- تراجع رئيس الحكومه واعترف للمره الاولي وبعد طول انكار ان معدل المغاربه المشمولين بالتامين الاجباري الاساسي عن المرض انتقل من 42,2% قبل اطلاق هذا الورش الي 88% حاليا, ويشكل هذا التصريح تراجعا صريحا لرئيس الحكومه عن تصريح سابق له في مجلس المستشارين بتاريخ 27 ماي 2025, حين اكد بانه علي مستوي تعميم التغطيه الصحيه الاجباريه باتت هذه المنظومه تشمل حاليا عموم الاسر المغربيه, وظل ينفي لشهور حقيقه اقصاء ازيد من 8,5 مليون من المواطنين والمواطنات من التغطيه الصحيه, والتي سبق ونبهناه لها عده مرات منذ نهايه سنه 2022, واكدتها عده تقارير لمؤسسات رسميه. وهنا ينبغي تسجيل هذا التراجع الرسمي لرئيس الحكومه والذي يعترف بتصريحه الجديد هذا ان 12% من المغاربه ما زالوا خارج التغطيه الصحيه, وان كانت هذه النسبه غير صحيحه لانها لا تاخذ في الحسبان عددا من المسجلين الذين لا يستفيدون من التغطيه الصحيه لكون حقوقهم مغلقه لدي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وهذا يعني ان رئيس الحكومه فشل, ونحن في شهر يوليو 2025, في تحقيق هدف توسيع التغطيه الصحيه بحلول نهايه سنه 2022 كما نص علي ذلك القانون الاطار رقم 09.21 المتعلق بالحمايه الاجتماعيه, وهو ما يوجب عليه بعد هذا التراجع والاعتراف المبادره الي معالجه هذا الاقصاء والعمل علي التنزيل السليم للقانون الاطار لادماج واستفاده كل المغاربه من التغطيه الصحيه دون استثناء. ومن جهه اخري, فان رئيس الحكومه وهو يتراجع ويعترف مجبرا, لكنه مع ذلك لم يستسلم اذ وفي محاوله منه لابراز انه احرز تقدما في هذا المجال بعد اعترافه بفشله في تحقيق التعميم والوفاء بالتزامه الرابع ضمن الالتزامات العشر للحكومه خلال الفتره 2021 2026, وهو تفعيل الحمايه الاجتماعيه الشامله ووعده في البرنامج الحكومي بتكريس الحكومه السنه الاولي للولايه في المقام الاول لانجاح ورش تعميم التغطيه الصحيه الاجباريه, فانه لجا مره اخري الي التحايل بشان الوضعيه المرجعيه, حيث صرح ان نسبه المشمولين بالتغطيه الصحيه قبل بدايه ورش تعميم التامين الاجباري الاساسي عن المرض هي 42,2%, وهذا غير صحيح نهائيا لان رئيس الحكومه اغفل عمدا ان يحتسب عدد المستفيدين سابقا من نظام المساعده الطبيه راميد ضمن هذه النسبه, وهو تضليل وسعي الي ابراز تقدم مزيف, اذ ان النسبه الحقيقيه للمستفيدين من التغطيه الصحيه قبل اطلاق ورش التعميم في دجنبر 2022 هو 76%. رابعا- اعترف رئيس الحكومه -من حيث يدري او لا يدري- بانه حَرَمَ 50.205 ارمله يَعُلْنَ يتامي وكُنَّ تستفدن في السابق من برنامج الدعم المباشر للنساء الارامل في وضعيه هشاشه, حيث اكد في معرض جوابه بان ازيد من 420.000 ارمله يستفدن حاليا من الدعم الاجتماعي المباشر, منها ما يقارب 340.000 ارمله بدون اطفال لم تكن تستفيد في السابق من الدعم, وهو ما يفيد بحساب بسيط ان عدد الارامل اللواتي يحتضن يتامي ويستفدن حاليا من الدعم الاجتماعي المباشر لا يبلغ سوي 80.000 ارمله, وهو ما يعني بحساب بسيط ايضا انه حَرَمَ 50.205 ارمله كُنَّ تستفدن سابقا, وذلك باعتبار انه والي غايه 13 شتنبر 2023, استفادت 130.205 ارمله وما يفوق 220.000 يتيما من برنامج الدعم المباشر للنساء الارامل في وضعيه هشاشه, كما تثبت ذلك الصفحه 53 من مذكره تقديم مشروع قانون الماليه لسنه 2024 والصفحه 36 من تقرير حول الحسابات الخصوصيه للخزينه المرافق لنفس المشروع. خامسا- كذب رئيس الحكومه وهو يصرح انه وجد امامه اوضاعا اجتماعيه صعبه كان معها الحوار الاجتماعي مجمدا لعده سنوات, وهنا يكفي للسيد رئيس الحكومه ان يعود الي ارشيف رئاسه الحكومه ليكتشف عدم صحه ما يدعيه وليطلع علي جولات الحوار الاجتماعي خلال الولايتين الحكومتين السابقتين وقبلهما, والموثقه بالصوت والصوره, وكذا الزيادات المقرره والاتفاقيات الموقعه, والتي كان اخرها اتفاق 25 ابريل 2019, ولينعش ذاكرته لاسيما وانه كان يحضر جولات الحوار الاجتماعي الي جانب رؤساء الحكومه السابقين. سادسا- واصل رئيس الحكومه كعادته نسب الاصلاحات السابقه وعائداتها الايجابيه لنفسه والصاق فشله وعجزه بمن سبقه, وهو يصرح بان الحكومه عملت علي استعاده توازنات الماليه العموميه عبر اصلاحات هيكليه همت علي الخصوص اصلاح المنظومه الجبائيه, من خلال تنزيل تدابير القانون الاطار رقم 69.19 المتعلق بالاصلاح الجبائي, وانه بفضل هذه الاصلاحات, وبوتيره افضل مما كان متوقعا, انتقلت المداخيل الجبائيه الي حوالي 300 مليار درهم سنه 2024, بزياده بلغت حوالي 100 مليار درهم مقارنه بسنه 2020. كما عرفت الموارد العاديه تحسنا كبيرا خلال نفس الفتره, بزياده فاقت 143 مليار درهم, وان هذه المنجزات, مكنت من تقليص عجز الميزانيه نسبه للناتج الداخلي الخام الي 5,4% سنه 2022 و4,3% سنه 2023 و3,8% سنه 2024. وتطور معدل المديونيه نسبه للناتج الداخلي الخام من 71,4% سنه 2022 الي 68,7% سنه 2023 و67,7% سنه 2024. وبهذا الخصوص, لقد اغفل رئيس الحكومه ان يذكر بان القانون الاطار رقم 69.19 المتعلق بالاصلاح الجبائي هو نتيجه عمل من سبقه وحصيله التراكم الكبير المحقق في هذا المجال, والذي كان موضوع المناظره الوطنيه الثانيه حول الاصلاح الجبائي في ابريل 2013, التي جاءت بعد المناظره الوطنيه الاولي في نونبر 1999, وتلتهما المناظره الوطنيه الاخيره حول الجبايات والتي نظمت سنه 2019, والتي صدر بناء علي توصياتها بالجريده الرسميه في 26 يوليو 2021 القانون الاطار رقم 69.19 المتعلق بالاصلاح الجبائي, وبالتالي لا فضل له فيه الا انه يقوم بتنزيله ويستفيد من عائداته دون اي يعترف بفضل من سبقه, بل وينسب لنفسه كعادته فضل هذا التطور. كما تجنب رئيس الحكومه ان يُفَصِّلَ بشان التطور الكبير للموارد العاديه وان يبين بكل شفافيه ومسؤوليه مصدرها والذي يعود اساسا الي تفويت الحكومه بشكل غير مسبوق لمجموعه من الاصول العقاريه والمرافق العموميه, فيما سمي بالتمويلات المبتكره, حيث بلغ مجموع ما جنته الحكومه من هذا التفويت خلال سنوات 2022 و2023 و2024 ما مجموعه 85,8 مليار درهم. ثم ان رئيس الحكومه اغفل الاسباب الموضوعيه لتراجع عجز الميزانيه ومعدل المديونيه نسبه للناتج الداخلي الخام, والتي تعود اساسا الي عاملين اثنين: هما التطور الكبير للموارد الجبائيه بفضل الاصلاح الجبائي والموارد العاديه الكبيره مما سمي بالتمويلات المبتكره, وكذا اساسا بفضل مراجعه المندوبيه الساميه للتخطيط لمعدل النمو ولحجم الناتج الداخلي الخام برسم سنوات 2023 و2024, اذ لولا هذه المراجعه لكانت وفق الارقام الرسميه التي كانت تقدمها الحكومه نفسها في السابق, اي قبل هذه المراجعه, نسبه المديونيه الي الناتج الداخلي الخام 69,5% سنه 2023 (عوض 68,7% بعد المراجعه), و70,1% سنه 2024 (عوض 67,7% بعد المراجعه). كل هذه الاعتبارات تثير تساؤلات كبيره ومقلقه حول مدي استعاده واستدامه توازنات الماليه العموميه والقدره علي استمرار تمويل برامج الحمايه الاجتماعيه, في ظل اعتماد الحكومه بشكل كبير وغير مسبوق علي تمويلات غير مستدامه من مثل التمويلات المبتكره, وعدم وجود اي سياسه حكوميه اراديه لادخار جزء من فائض الموارد الضريبيه بالنظر لتطورها الظرفي بنسب كبيره لا تتناسب مع معدلات النمو وتطور الاستهلاك, والتي لا يمكن لها ان تستمر بنفس النسب الي ما لا نهايه, وكذا في غياب اي اراده وسياسه حكوميه في مجال ترشيد النفقات العموميه. وفي المُحَصِّله, فان مرور رئيس الحكومه الاخير امام مجلس المستشارين في موضوع مرتب ومكرر وفضلا عن انه لم يات بجديد يذكر باستثناء استغلاله لمراجعه المندوبيه الساميه للتخطيط في يونيو الماضي لمعدل النمو لسنه 2023 و2024 ولاثار هذه المراجعه علي نسب عجز الميزانيه ومعدل المديونيه, فانه تجنب معدلات البطاله المرتفعه والتي بلغت في عهده 13% سنه 2023 و13,4% سنه 2024, وهي نسب لم تسجل منذ سنه 2000, واكتفي بالتذكير بخارطه الطريق الحكوميه في مجال التشغيل التي اعتمدتها في 26 فبراير 2025, اي بعد تاخر دام ازيد من ثلاث سنوات من تنصيب الحكومه في اكتوبر 2021, واعلانه بشكل مفاجئ وغير مقبول دستوريا عن اهداف جديده تتجاوز الولايه الحكوميه الحاليه حين وعد بعكس المنحي التصاعدي للبطاله وتقليصه بشكل ملموس الي 9% واحداث 1,45 مليون منصب شغل في افق سنه 2030, متناسيا الالتزامات العشر للحكومه خلال الفتره 2021 2026, وخصوصا الالتزام الثاني باحداث مليون منصب شغل صاف علي الاقل خلال الخمس سنوات من الولايه الحكوميه الحاليه, والالتزام الثالث برفع نسبه نشاط النساء الي اكثر من 30% عوض 20%. وختاما, تثبت الملاحظات المثاره اعلاه ان رئيس الحكومه وهو يستفيد من ريع وعائد الاصلاحات السابقه ومن عمل الحكومات التي سبقته في اعتماد اصلاحات هيكليه افادت الاقتصاد الوطني وعززت الماليه العموميه من مثل اصدار القانون الاطار المتعلق بالاصلاح الجبائي, والقانون الاطار المتعلق بالحمايه الاجتماعيه, واعداد القانون الاطار بمثابه ميثاق الاستثمار, فانه وبالاضافه الي انكار وتبخيس عمل من سبقه فانه يعتمد التحايل باختيار مؤشرات وسنوات دون غيرها في محاوله لتضخيم التقدم الحاصل وحجب التاخر المسجل والعجز عن القيام باصلاحات جديده, كما انها تظهر فشله في تنزيل جزء من هذه القوانين من مثل الاقصاء الكبير الحاصل علي مستوي تعميم التغطيه الصحيه, والدعم الاجتماعي المباشر بالرغم من انه يصرح ان لا مجال للتراجع علي المكتسبات المحققه, وكذا الفشل الذريع في معالجه معضله البطاله التي تفاقمت في عهده وتاخره الكبير في اقرار السياسه المناسبه لمعالجه هذا الوضع, وذلك بالرغم من تعهده في المحور الثاني من البرنامج الحكومي بمواكبه تحول الاقتصاد الوطني من اجل خلق فرص شغل للجميع, وبجعل التشغيل المحور الاساسي لكل السياسات العموميه في الميدان الاقتصادي.
شرعت السلطات العراقية بغلق مئات المباني والمحلات والمراكز التجارية في عموم البلاد، ضمن خطة لإعادة النظر بكل الموافقات السابقة، بعد الحريق الكارثي في «هايبر ماركت الكوت»، الذي أودى بحياة العشرات، فيما يناقش البرلمان الاثنين، الحادثة وسط انقسام سياسي. وطبقاً للتوجيهات الصادرة من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بشأن جرد كل المحلات والمراكز والأسواق التجارية طوال السنوات الماضية لغرض التأكد من سلامتها، أغلقت وزارة الداخلية المئات منها التي ثبت ميدانياً عدم توفر شروط السلامة والمتانة والأمان فيها، فيما تولت الجهات المسؤولة في «مستشفى الكوت» تسليم ذوي الضحايا 18 جثة محترقة لم يتم التعرف على أصحابها، من بين 80 ضحية. أقارب ضحايا حريق المركز التجاري في الكوت يحتضن بعضهم بعضاً خارج قسم الطب الشرعي بالمدينة (أ.ف.ب) وأثارت الحادثة غضباً سياسياً وشعبياً واسعاً، فيما بدأت اللجان التي شكلتها الحكومة عملها لمتابعة تداعيات الحريق، والإجراءات التي سوف يتم اتباعها لتلافي تكراره مستقبلاً... كما بدأت المحافظات العراقية إجراءات احتياطية واسعة لإعادة النظر بكل الموافقات الخاصة بإجازات البناء الممنوحة للمستثمرين والمواطنين. ومنحت دوائر البلدية في مختلف مناطق بغداد، مهلة تتراوح من 10 أيام إلى 30 يوماً، لتصحيح الوضع القانوني بشأن الموافقات، على أن تتطابق مع شروط السلامة والأمان، وإلا ستُتخذ الإجراءات القانونية بحق المتجاوزين، بما في ذلك الغلق والإزالة. وفي محافظة النجف، أعلنت قيادة الشرطة إغلاق أكثر من 153 مشروعاً مخالفاً، ضمن حملة استباقية لتأمين بيئة آمنة وخالية من المخاطر على المواطنين، لا سيما مع قرب «زيارة محرم»، و«الأربعينية» التي تشهد توافد أعداد كبيرة من الزائرين إلى المحافظة... وفي محافظة كربلاء، أعلنت مديرية الدفاع المدني إغلاق 482 مشروعاً مخالفاً لشروط السلامة والوقاية. الطالبة العراقية رغد التي قضت مع أخواتها بحريق المركز التجاري في الكوت (فيسبوك) وبدورها، أعلنت وزارة الداخلية تنفيذ حملات ميدانية في كل المحافظات أسفرت عن «تنفيذ 508 أنشطة غلق لمشاريع وبنايات خالفت شروط السلامة والأمان، وذلك استناداً إلى المادة (20/ثالثاً) من قانون الدفاع المدني رقم (44) لسنة 2013، ليصير العدد الإجمالي 1118 مشروعاً خلال 48 ساعة». وقال اللواء مقداد ميري مدير الإعلام بالوزارة في مؤتمر صحافي، إن «هذه الإجراءات جاءت في إطار الجهود الوقائية الرامية إلى فرض الالتزام بتعليمات الدفاع المدني، والحد من الحوادث التي قد تهدد أرواح المواطنين وممتلكاتهم». وفي الوقت الذي اتسع فيه نطاق المظاهرات بمحافظة واسط، والتي بدأت تستهدف كبار المسؤولين في المحافظة، وفي مقدمتهم المحافظ محمد جميل المياحي، أعلنت «هيئة النزاهة» عن تنفيذ مذكرة إلقاء قبض على مدير بلدية الكوت الأسبق، على خلفية قضية حادث حريق الـ«هايبر ماركت». رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني خلال تفقده مشروعاً في بغداد (إعلام حكومي) وقالت الهيئة في بيان لها، إن «الفريق المُؤلّف في مكتب تحقيق واسط، تمكَّن من تنفيذ أمر القبض القضائيّ بحق مُدير بلديَّـة الكوت الأسبق؛ إثر المُخالفات المُرتكبة في إنشاء مركز (هايبر ماركت) الكوت». وأضافت الهيئة أنه تم تنفيذ العملية «وفق أمرٍ قضائيّ صادر عن محكمة تحقيق واسط المُختصَّة بالنظر في قضايا النزاهة؛ واستناداً إلى أحكام المادة (343/ 3) من قانون العقوبات». وكانت الهيئة قد أعلنت تنفيذها أوامر قبض بحقّ 10 متهمين في مديرية الدفاع المدني بواسط والبلدية، أبرزهم مدير مديرية الدفاع المدني، ومسؤول شعبة التجاوزات في بلدية الكوت، ومدير الطرق والجسور السابق، ومسؤول شعبة تنظيم المدن، إثر «الإهمال والمخالفات المنسوبة إليهم». البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان) وفي وقت شكك فيه برلمانيون ومراقبون بجدوى عقد البرلمان العراقي جلسة استثنائية، لمناقشة ما حصل في الكوت، فإن أوساطاً سياسية وبعد 24 ساعة على الحريق، بدأت تشكك بدوافع المظاهرات التي انطلقت في المدينة وتطالب المحافظ بالاستقالة، مشيرة إلى «أن هذه المظاهرات لا تبدو عفوية». وأعلن المحافظ المياحي، من جهته، أن «المظاهرات تستهدفه شخصياً من خصوم سياسيين، ولا علاقة لها بما جرى من مأساة». عضو البرلمان العراقي حيدر السلامي قال في تصريح صحافي، إن «جلسة البرلمان الاستثنائية الاثنين، تؤكد استمرار المجاملات السياسية على حساب حياة المواطنين، فنحن طالبنا بصفتنا نواباً باستضافة رئيس مجلس الوزراء، ووزير الداخلية، ومحافظ واسط، ومدير الدفاع المدني، لبحث أسباب الحريق، وسوء إدارة ملف الدفاع المدني في واسط، وباقي المحافظات... لكن فوجئنا من رئاسة البرلمان بعقد جلسة مناقشة عامة بين النواب فقط، وهذا يدل على أن الجلسة دون أي فائدة، لأنه يجب حضور المسؤولين التنفيذيين لبحث تقصيرهم بملفات حساسة ومهمة كهذه تخص الوطن والمواطن»
يستهلك النقاش السياسي بالمغرب منذ عقد تسعينات القرن الماضي نفس عناصر السرديه الايديولوجيه التي تختزل مفهوم الانتقال الديمقراطي في عمليه التداول السياسي, ناهيك عن طبيعه بعض التحليلات السياسيه والقانونيه التي وصفت الاصلاح الدستوري لسنه 2011 علي كونه شهاده ميلاد مغرب جديد وحداثي ينافس التجارب الدوليه في مجال الانتقال الديمقراطي. فاهم ما ميز هذه التحليلات هو نظرتها الاختزاليه للاصلاح الدستوري السالف الذكر التي تتفادي التركيز علي تناقضات مخرجاته السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه. في هذا الصدد نلاحظ بانه خلال رصد تجربه الاصلاح السياسي والدستوري بالمغرب تواجهنا دوما تساؤلات تهتم بمالات مسلسل الدمقرطه بالمغرب. الي يومنا هذا لا زال اشكال بناء دوله القانون وتحقيق تنميه اقتصاديه واجتماعيه, ثم القطع مع الريع السياسي والاقتصادي تُعد من ابرز مظاهر تعثر مسار الاصلاح بالمغرب. اذ لا يُعقل ان تظل اهم القطاعات الاستراتيجيه مثل التعليم والصحه تعاني من نفس الاختلالات التدبيريه التي اسهمت عبر عقود من الزمن في تردي مردوديتهما الاجتماعيه, مع العلم ان نجاح التجارب الدوليه في مجال التنميه يؤكد علي دور النظام التعليمي في ضمان عمليه النهوض الاقتصادي والاجتماعي اضافه الي جوده شروط الرعايه الصحيه. بَيد ان واقع الحال في السياق المغربي يُبرز لنا عكس ذلك; حيث ضعف الاداء التربوي للمدرسه العموميه والوضعيه «الكارثيه» للخدمات الصحيه بجل المستشفيات التابعه للقطاع العام, بالموازاه مع توسع خدمات القطاع الخاص بشكل ملفت للنظر وخصوصا تلك المتعلقه بالقطاعات الحيويه المكونه للعمود الفقري للدوله الاجتماعيه. وهو ما يؤكد من وجهه نظرنا هيمنه المنطق النيوليبرالي القائم علي اقتصاد السوق وسلطويه الاوليغارشيات الماليه والاقتصاديه. • مفهوم الاوليغارشيات الماليه والاقتصاديه بالمغرب المقصود في الحاله المغربيه بالاوليغارشيات الماليه والاقتصاديه هي تلك النخب السياسيه التي يتكون مجملها من اسر مخزنيه اضافه الي رجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال. فالطابع الاوليغارشي لبنيه النظام السياسي المغربي ليس بالامر الجديد, حيث ترجع جذوره الاجتماعيه لعده عقود خلت, كانت سمتها الاساسيه قيام تحالف تاريخي بين الاعيان واصحاب الموارد الماليه مع السلطه السياسيه, وذلك من اجل تمكين المؤسسه المخزنيه من فرض هيمنتها وسيادتها علي المجتمع. من هذا المنطلق, نري بان المنطق النيوباتريمونيالي ظل حاضرا بقوه في تحديد شكل هذه التحالفات المعتمده علي عقد ضمني يَتم بموجبه مقايضه الولاء السياسي للنخب والاعيان مقابل حصولهم علي امتيازات اقتصاديه في القطاع العام. نستدل في هذا الاطار بعمليتي مغربه الاقتصاد والخوصصه في عقدي السبعينات والتسعينات من القرن الماضي, وما واكبهما من توسع للنفوذ الاقتصادي والمالي للنخب السياسيه المواليه والاسر المخزنيه. كما تخضع حاليا قطاعات كبيره من اقتصاد الخدمات لسيطره العائلات الكبري المقربه من مركز السلطه السياسيه بالمغرب, حيث تستحوذ علي غالبيه اسهم شركات القطاع المصرفي والتامينات. ففي تقريره الصادر سنه 2024 اشار البنك الدولي الي هذه السمه الاحتكاريه التي تضعف القدره التنافسيه للاقتصاد المغربي, مثلما تُعتبر, حسب تصورنا, من ابرز مظاهر ما يُطلق عليه براسماليه المحسوبيه التي تقوم علي غياب الشفافيه والمنافسه الاقتصاديه, ناهيك عن استمراريه العلاقات النيوباتريمونياليه, بمعني الامتيازات الريعيه الممنوحه من طرف الدوله لعائلات مخزنيه ورجال اعمال معينين علي حساب غيرهم. لقد اشارت عده دراسات اكاديميه الي دور العامل النيوباتريمونيالي في رسم هندسه الانظمه السياسيه بالعالم العربي, ونذكر علي سبيل المثال تحليلات كل من ليزا اندرسون (Lisa Anderson) و لوسياني جياكومو (Luciani Giacomo) حول مفهوم الدوله الريعيه بمنطقه الشرق الاوسط وشمال افريقيا. لذا, فان دراسه مفهوم الاوليغارشيات الماليه والاقتصاديه تقتضي الاهتمام بمعطي الريع كميكانيزم بنيوي يُحدد ديناميه الانظمه السياسيه النيوباتريمونياليه, وايضا بكيفيه اسهام الاختيار النيوليبرالي في خدمه هذا التوجه الايديولوجي والسياسي القائم تاريخيا علي بناء شبكه علاقات من التحالفات الهجينه والزبونيه التي تتحكم في خيوطها قواعد ثقافه مخزنيه. فالاشكال القائم بالنسبه للباحث في مجال العلوم السياسيه هو كيفيه تحديد طبيعه العلاقه القائمه بين الحل النيوليبرالي والريع الاقتصادي, وذلك في اطار محاوله فهم شروط استمراريه السلطويه السياسيه. • اعطاب التنميه واهميه استحضار تبني حزب العداله والتنميه للاختيار النيوليبرالي اما فيما يخص مسار التنميه الاقتصاديه والاجتماعيه بالمغرب, فاننا نلاحظ تذيل المغرب اسفل المراتب علي المستوي العالمي, وذلك لان تنميه الانسان التي تُعد شرطا اساسيا لتاسيس مجتمع المواطنه, تصطدم اما ببرامج سياسات عموميه تفتقر للفعاليه او بضعف احترافيه الفاعلين المكلفين بتفعيل مقتضيات الاستراتيجيات التنمويه علي ارض الواقع. والا كيف نُفسر حجم الحمله الشعبيه المطالبه بتحديد سعر السردين في خمسه دراهم وتخفيض اسعار المواد الاساسيه, فلا يجب ان ننسي بان طبيعه هموم المواطن البسيط هي بمثابه انعكاس مباشر لمستويات الهشاشه الاجتماعيه التي مَست ايضا اطياف من الطبقات المتوسطه بسبب سياسات حكوميه قائمه علي فرض سياسه الامر الواقع, عبر تبني قوانين واجراءات نيوليبراليه وسياسات امنيه تعتمد علي لغه القمع من اجل ردع المحتجين والمطالبين بحقوقهم الاقتصاديه والاجتماعيه. ان تردي الاوضاع الاجتماعيه لفئات واسعه من المجتمع المغربي تؤكده تقارير المندوبيه الساميه للتخطيط, التي اقرت بارتفاع نسبه البطاله الي % 13.3 في 2024 و %80 من العاطلين شباب مقيمين بالوسط الحضري, ناهيك عن تراجع القدره الاقتصاديه للاسر المغربيه حيث صرحت فقط %11.2 من الاسر بقدرتها علي الادخار خلال الفصل الاول من سنه2025. توضح, اذن, مستويات التهميش الاجتماعي المرتفعه بالمغرب واستحواذ الاوليغارشيات الماليه علي مقدرات الاقتصاد الوطني حجم مفارقات التنميه واسباب غياب العداله الاجتماعيه, التي تُعد اهم ركيزه لمشروعيه الانظمه السياسيه القائمه علي راسمال الانجاز الداعم للاستقرار السياسي وايضا لروابط الثقه بين الدوله والمجتمع. بناء علي ما سبق, نلاحظ بان الالمام بطبيعه الواقع السياسي المغربي لا يمكن فصله عن فهم نتائج السياسات الاجتماعيه والاقتصاديه المتبعه من طرف الحكومات وبالاخص بعد بلوره دستور 2011, الذي كان من المفترض فيه ان يُشكل منطلقا لاخراج المغرب من دائره الركود السياسي والتخلف الاقتصادي. بَيد ان ما حدث هو العكس حيث فتحت الحصيله الحكوميه لحزب العداله والتنميه الباب بشكل مباشر امام خيار نيوليبرالي تجسد في تحرير اسعار الوقود وتبني سياسه التعاقد فيما يخص التوظيف بسلك التعليم. ان استحضار هذه الاجراءات هو للاستدلال علي تجليات سياسات نيوليبراليه تَم نهجها من طرف حزب اسلامي ترتكز اسسه الايديولوجيه والانتخابيه علي مبدئي العداله والتنميه. في هذا السياق, نود الاشاره الي ان اسلوب هذا الحزب في التدبير الحكومي قد حددت قواعد اشتغاله براغماتيه سياسيه; افضت به الي التناقض مع مرجعيته الايديولوجيه التي فقدت تاثيرها الانتخابي. ومن جهه اخري, نؤكد علي ان اهم انتقاد للتجربه الحكوميه لحزب العداله والتنميه يتجلي في قبوله لتوافقات سياسيه اسهمت في تحويله لحزب وظيفي, بدل ان تتمسك قياداته السياسيه بالمكتسبات الدستوريه التي تمنح لرئيس الحكومه هامش من الحريه السياسيه لتطبيق الالتزامات الانتخابيه للحزب. ولا يجب ان ننسي ايضا بان توقيع سعد الدين العثماني, كرئيس للحكومه وامين عام للحزب, علي اتفاقيه التطبيع مع اسرائيل قد سرّع من وتيره الموت السياسي لحزب العداله والتنميه. • البعد النيوليبرالي لحكومه اخنوش اما فيما يتعلق بحكومه اخنوش فقد استمرت في نفس التوجه النيوليبرالي الهادف الي تشجيع سلطه السوق الاقتصاديه, التي يعتبر رئيس الحكومه عزيز اخنوش من اهم الفاعلين فيها. ولعل ما ميز حكومه اخنوش هو زواج السلطتين الاقتصاديه والسياسيه, اذ استحوذ فيها اطر شركه اكوا التابعه ِلملكيه عزيز اخنوش علي جل الحقائب الوزاريه خلال التعديل الحكومي الاخير في شهر اكتوبر 2024. حيث يُبرز هذا المعطي مدي تحكم رجال الاعمال والمال في مفاصل المؤسسات الدستوريه بالمغرب, مثلما تكشف لنا هذه التجربه الحكوميه سيطره المنطق الراسمالي والمقاولاتي في تحديد شروط ممارسه السلطه السياسيه بالمغرب. ويعكس هذا المستجد تحولا عميقا في شكل وطرق اشتغال المؤسسه التنفيذيه التي اصبحت بمثابه جهاز سياسي, يخدم مصالح اصحاب الراسمال والاختيار النيوليبرالي علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي. بخصوص هذا الموضوع, نستحضر تصريح نزار بركه, الامين العام لحزب الاستقلال المشارك في الائتلاف الحكومي بقياده عزيز اخنوش, حول استفاده 18 مستوردا للاغنام من مبلغ ناهز مليار و300 مليون درهم رصدته الحكومه لاستيراد اضاحي العيد في سنه 2024, لكن دون ان يؤدي هذا الاجراء الحكومي الي انخفاض اسعار اللحوم الحمراء وتوفير الاضاحي للمواطنين. ان تسليط الضوء علي البعد النيوليبرالي للسلطه التنفيذيه يُعد معطي جوهريا لفهم طبيعه التغييرات البنيويه التي تمس اليوم شكل وجوهر السلطه السياسيه بالمغرب. اذ لا يمكن استيعاب مضمون الاصلاحات المعتمده من طرف حكومه عزيز اخنوش خارج سياق سياسي عام يقترن بولاده توجه استراتيجي يصبو لتغيير قواعد اشتغال مؤسسات الدوله لكي تتكيف مع شروط الالتزام بالاختيار النيوليبرالي, الذي يُسهم في تدعيم النفود السياسي والاقتصادي للاوليغارشيات الماليه/المخزنيه. اذ نشهد اليوم هيمنه هذه الاوليغارشيات ليس فقط علي المؤسسات السياسيه و الدستوريه بل حتي علي بنيات الدوله العميقه, حيث اصبحت ذات نفوذ سياسي يجسده علي سبيل المثال حجم السلطات التي يتوفر عليها اليوم كل من حزبي التجمع الوطني للاحرار والاصاله والمعاصره. فلم تعرف تجارب التناوب السياسي السابقه بروز احزاب بمثل هذا النفود والتاثير كما هو عليه الحال بالنسبه لهذين الحزبين, ويمكن لمتتبع الاحداث السياسيه بالمغرب ان يلاحظ ذلك الامر من خلال طبيعه القرارات والخرجات الاعلاميه مثلا لكل من عزيز اخنوش رئيس الحكومه او وزير العدل عبد اللطيف وهبي. من اجل ضمان شرعيه النهج النيوليبرالي قامت حكومه اخنوش باعداد ارضيه قانونيه جديده تتحدد في جمله من مشاريع قوانين نذكر من بينها قانون الاضراب, الذي اصبحت بموجب مقتضياته ممارسه هذا الحق شبه مستحيله بسبب طبيعه الشروط المطلوبه, والتي لا تخدم في الواقع سوي مصالح ارباب العمل واصحاب رؤوس الاموال علي حساب الطبقات العامله التي احتفلت هذه السنه بفاتح ماي في ظل وضع سياسي واطار قانوني اجهز علي حقوقها التاريخيه والدستوريه. اضافه الي ضعف التمثيليات النقابيه التي لم تَعد قادره علي حمايه حقوق الطبقه الشغيله نتيجه تشرذمها, وتبعيتها السياسيه لاحزاب فقدت محددات بوصله هويتها الايديولوجيه. وفي ذات السياق, اقدمت حكومه اخنوش علي عرض مشروع لاصلاح المسطره الجنائيه الذي اثار في فصله الثالث جدلا سياسيا وقانونيا بسبب تقييد حق المجتمع المدني في التبليغ عن الفساد. لقد نص هذا الفصل علي انه لا يمكن اجراء الابحاث واقامه الدعوي العموميه في شان الجرائم الماسه بالمال العام الا بطلب من الوكيل العام للملك لدي محكمه النقض بصفته رئيسا للنيابه العامه بناء علي احاله من المجلس الاعلي للحسابات. كما لا يمكن اجراء الابحاث واقامه الدعوي العموميه الا بناء علي طلب مشفوع بتقرير من المفتشيه العامه للماليه او المفتشيه العامه للاداره الترابيه او المفتشيات العامه للوزارات او من الادارات المعنيه, او بناء علي احاله من الهيئه الوطنيه للنزاهه والوقايه من الرشوه ومحاربتها او كل هيئه يمنحها القانون صراحه ذلك. خلافا للفقره السابقه, يمكن للنيابه العامه المختصه اجراء الابحاث واقامه الدعوي العموميه تلقائيا في الجرائم المشار اليها اعلاه اذا تعلق الامر بحاله التلبس. في الواقع, يشكل هذا الاجراء القانوني تضييقا واضحا علي الدور المدني للجمعيات في حمايه المال العام, الذي تعددت مظاهر نهبه بعده قطاعات عموميه. وفي هذا الصدد ابرز تقرير الهيئه الوطنيه للنزاهه لسنه 2024 ان الفساد يتسبب في خساره ماليه تتراوح ما بين 4 الي 6% من مجموع الناتج المحلي الاجمالي, اي ما يعادل خساره 20 مليار درهم سنويا, مما يُعرقل عمليه الاقلاع الاقتصادي ويزيد من حجم التفاوتات الطبقيه اضافه الي اضعاف مستويات الثقه الاجتماعيه في مصداقيه الخطاب السياسي والحكومي حول تخليق السياسات العموميه والحياه العامه بالمغرب. فتحليل اسباب الفساد يتطلب بحثا معمقا نظرا لطبيعته المركبه التي تستدعي من الباحث الاحاطه بعناصرها في اطار مقاربه تحليليه تهتم برصد انعكاسات توسع نطاق الفساد علي المشروعيه السياسيه للنظام السياسي, وايضا علي مصداقيه خطاب تخليق الحياه العامه الذي ترفعه الدوله من سنوات. انطلاقا من تتبعنا لاداء حكومه اخنوش لاحظنا ظهور اراده سياسيه قويه تدعم الاختيار النيوليبرالي من خلال اعاده بلوره ترسانه قانونيه جديده تؤطر طرق تنزيل هذا الاختيار, اذ تجسدت بوادرها الاولي في تعديل المسطره الجنائيه ووضع قانون جديد للاضراب, لتليها صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي دون نسيان قانون الاسره التي تشهد اليوم ازمه عميقه بسبب اكراهات التضخم الاقتصادي وايضا تحكم قواعد ثقافه الاستهلاك في سلوك افرادها. فالحديث عن الاسره المغربيه يستحق في الواقع مقالا مستقلا نظرا لاهميه تحليل تاثير النهج النيوليبرالي علي تماسك الروابط الاسريه, ومستقبل المرجعيه الاسلاميه في تحديد هويتها الثقافيه. بالموازاه مع الاصلاحات القانونيه وبلوره خطط جديده لتدبير المساله الاجتماعيه تتثمل بشكل اساسي في احداث السجل الاجتماعي الموحد, زادت حده قمع الحريات والمتابعات القضائيه للصحفيين والمدونين. ويمكن تفسير الخلفيات السياسيه لاسباب التضييق علي ممارسه حريه التعبير التي ضمنها دستور 2011, بوجود استراتيجيه حكوميه معتمده علي الحل الامني بهدف تحييد قوه التاثير الاجتماعي للمناهضين للاختيارات النيوليبراليه المعتمده من طرف الحكومه. وفي الختام, تتبادر الي اذهننا عده تساؤلات بخصوص المسار المتعثر لمسلسل الاصلاح بالمغرب من قبيل: الي متي سنستمر في عدم استثمار فرصه الاستقرار السياسي من اجل كسب رهانات تاريخيه مثل التنميه والديمقراطيه? الا يمكن القول بان الاختيار النيوليبرالي مصحوب بالمقاربه الامنيه يفوت علي المغرب سنوات من التقدم الاقتصادي والاجتماعي قد نندم عليها مستقبلا? تشترط الاجابه عن هذه الاسئله تعميق النقاش حول النتائج السياسيه المترتبه عن تبني الاختيار النيوليبرالي في مجتمع يتزايد فيه الطلب الشعبي علي تدخل الدوله من اجل توفير شروط العيش الكريم للمواطن, ناهيك عن تزايد حده الحقد الطبقي وتدبير حكومي عاجز عن استيعاب مخاطر المساله الاجتماعيه. باحث في العلوم السياسيه
ظل موضوع المجلس الوطني للصحافة، الذي أُحدث سنة 2016 من أجل التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، يثير نقاشا حادا في أوساط الصحافيين والناشرين على حد سواء، لا سيما منذ انتهاء ولايته دون التمكن من تجديد هياكله، نتيجة الخلافات الحادة التي عصفت بمكوناته. أمام حالة الجمود المؤسسي اختارت الحكومة الحالية التدخل عبر تشكيل “لجنة مؤقتة” لتدبير المرحلة، الشيء الذي أثار جدلا واسعا، ليس فقط على المستوى المهني، وإنما أيضا من حيث انسجامه مع فلسفة التنظيم الذاتي المنصوص عليها في الدستور، وكذلك من حيث مشروعيته القانونية. وقد أدى هذا التدخل إلى انقسام حاد داخل الجسم الصحافي، سواء بين ممثلي الصحافيين المهنيين أو ضمن فئة الناشرين، حيث تعددت الطعون والتشكيكات في مشروعية التمديد، وتحولت النقاشات من خلافات حول الصلاحيات والمسؤوليات إلى صراع حول التمثيلية والنفوذ داخل الحقل الإعلامي. وبالتالي، كشفت هذه المرحلة الانتقالية عن هشاشة التنظيم الذاتي في ظل غياب توافق مهني حقيقي، وسعي بعض الفاعلين إلى إعادة تشكيل المشهد المهني على مقاس سياسي أو اقتصادي ضيق، حتى أضحت الحكومة، وعلى وجه التحديد القطاع الوصي على الصحافة والإعلام، في فوهة الاتهامات بالتحكم في المجلس والسعي إلى ترسيخ نفوذ جهة محددة داخل الناشرين والصحافيين على حساب جهات أخرى. وإذا كانت الحكومة قد أخرجت أخيرا مشروع قانون جديد لإعادة هيكلة المجلس، فقد أعاد هذا النص النقاش من جديد حول مدى قدرته على التوفيق بين ضرورات التأطير والتنظيم، من جهة، ومتطلبات الاستقلالية والمهنية، من جهة أخرى. فالمشروع، رغم مستجداته المتعددة، يطرح في سياق تطبعه التوترات السياسية والمهنية، خاصة أن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف استبقت النقاش ب رفضها للمشروع، معتبرة أنه “يتناقض مع المادة 28 من الدستور، ويقبر كل معنى لمؤسسة التنظيم الذاتي، ويجعل مهنة الصحافة في المغرب اليوم وجهاً لوجه أمام تحالف مصلحي تجاري ريعي وهيمني”. من هذا المنطلق، لا يمكن قراءة مشروع القانون الجديد كمجرد محاولة لتجاوز أعطاب النصوص السابقة، بل يجب فهمه ضمن سياق عام يتسم بضعف الثقة، واستمرار منطق الوصاية، وانقسام النخبة الإعلامية حول وظيفة الصحافة وحدود استقلالها. فالخلافات ليست فقط قانونية أو تنظيمية، بل تعكس تصورات متباينة حول الدور الذي ينبغي أن يلعبه الإعلام في المجتمع المغربي: هل هو سلطة نقد ومساءلة أم أداة ضبط وتوجيه؟ وفي هذا الإطار، سنحاول من خلال هذا المقال إبراز مستجدات المشروع، قبل أن ننتقل إلى قراءة نقدية لمضامينه، مستحضرين في ذلك بعض التجارب المقارنة في هذا المجال، والسياق السياسي الوطني الذي طرح فيه، ثم التحديات البنيوية التي تواجه بناء إعلام مستقل ومهني في مغرب اليوم. أولاـ محاور الإصلاح المقترحة في مشروع القانون الجديد يندرج مشروع القانون رقم 26.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وفقا لما ورد في ديباجته، ضمن إطار “استراتيجية إصلاح منظومة الصحافة”، ويجسد ما اعتبر عزما من الدولة على توفير بيئة قانونية مستقرة وشفافة للممارسة الصحافية، بما يضمن فعالية التنظيم الذاتي للمهنة، وفق الضمانات القانونية والديمقراطية الكفيلة بتأطير هذا القطاع وضمان استمرارية مؤسساته. وقد صيغ المشروع، حسب ما تشير إليه مقدمته، استنادا إلى خلاصات عمل اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة والنشر، المحدثة بموجب القانون رقم 15.23. ويطمح إلى تحقيق جملة من الأهداف المعلنة، أبرزها: ولأجل تحقيق هذه الأهداف، يقترح المشروع عددا من المستجدات الهيكلية والإجرائية التي يمكن إجمالها في العناصر التالية: وبالرغم من أن هذا المشروع يتضمن عددا من المقتضيات الإيجابية التي لا يمكن إنكارها، خاصة تلك المتعلقة بتحسين نظام ضبط وتحيين سجلات الصحافيين والناشرين، بكل ما يشكله ذلك من خطوة مهمة نحو تنظيم المشهد المهني على أسس دقيقة وشفافة، بالإضافة إلى تنصيصه الصريح على تعزيز التمثيلية النسائية داخل هياكل المجلس، في انسجام واضح مع مبدأ المناصفة الذي يؤكده الفصل 19 من الدستور، فضلا عن إدراجه لضمانات إجرائية تتعلق بالحق في الطعن وتحسين مساطر الانتخاب والتأهيل، فإن ذلك لا يمنع من تسجيل عدد من الملاحظات النقدية بشأن بعض المستجدات التي جاء بها المشروع. إن هذه المستجدات، وإن بدت في ظاهرها تتوخى الإصلاح، فإنها تبقي المجلس الوطني للصحافة رهينا لعدد من الإشكاليات التي عاشها في تجربته السابقة، سواء على مستوى ضبابية شروط الترشح والتمثيل، أو غياب آليات دقيقة لضمان استقلالية المجلس عن السلطة التنفيذية والإدارية، أو حتى من حيث الطابع المغلق لبعض الهيئات التقريرية داخله، مما يطرح سؤال مدى قدرة هذه التعديلات على تحقيق ما تدعيه من “تأمين الاستمرارية” و”ترسيخ التنظيم الذاتي”. بمعنى آخر، فإن الإصلاحات الجزئية التي جاء بها المشروع، رغم أهميتها التقنية، لم تلامس جوهر الأزمة التي عرفها المجلس، والمتمثلة في اختلال التوازن بين منطق الاستقلال الذاتي ومنطق الوصاية الضمنية، وبين التمثيلية المهنية الواسعة والتعيينات شبه المغلقة، مما يهدد بإعادة إنتاج نفس أسباب العطب المؤسسي الذي أدى من قبل إلى تشكيل لجنة مؤقتة خارج المنطق الانتخابي، على نحو ما سنبرز ذلك في المحور الثاني من هذه القراءة. IIـالملاحظات التي يطرحها المشروع إن قراءة مستجدات مشروع القانون في ضوء ما نص عليه دستور 2011، لا سيما الفصول التي تؤطر حرية التعبير والتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، إلى جانب واقع الممارسة التي عرفها المجلس الوطني للصحافة منذ إحداثه وحتى انتقال تدبيره إلى لجنة مؤقتة، وكذلك في ضوء التجارب الدولية في مجال التنظيم الذاتي للإعلام، تضعنا أمام مجموعة من الإشكاليات الجوهرية. من جهة، يبرز سؤال مفهوم التنظيم الذاتي نفسه، وكيفية ترجمته على أرض الواقع في سياق متشابك بين الحرية والمسؤولية المهنية، ومدى قدرة الجسم الصحافي على ممارسة الرقابة الذاتية دون تدخل خارجي. ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل حدود تدخل الدولة، ومدى التوازن المطلوب بين ضمان حرية الصحافة والحاجة إلى ضبط القطاع وتنظيمه، بحيث لا يتحول هذا التدخل إلى رقابة خفية أو تحكم في حرية التعبير. كما يبرز تحدٍ مهم يتمثل في تحقيق توازن دقيق بين التأطير المهني الذي يحفظ جودة الممارسة الصحافية وأخلاقياتها، وبين الضبط المؤسساتي الذي يحمي استقلالية الجسم الصحافي ويصونه من التجاذبات السياسية والمصالح الضيقة. وكل هذه الإشكاليات تزداد تعقيدا في ظل السياق الوطني الذي يعيشه المغرب، حيث تتداخل السياسة والاقتصاد مع ميدان الإعلام، مما يجعل التنظيم الذاتي ومسألة استقلال الصحافة قضية ليست فقط قانونية أو تقنية، بل ذات أبعاد سياسية ومجتمعية عميقة. من المظاهر الأساسية لأي تنظيم ذاتي مهني هو مبدأ الاستقلالية، باعتباره شرطا جوهريا لتمكين الفاعلين المهنيين من تدبير شؤونهم بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية أو أي جهة خارجية. وإذا كان مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة يتبنى هذا المبدأ ظاهريا، فإن الصياغات القانونية المعتمدة تفتقر إلى التحديد الدقيق لحدود هذه الاستقلالية، سواء من حيث نطاقها أو طبيعة السلطات العمومية التي قد تتقاطع مع اختصاصات المجلس أو تتدخل في سير عمله. فالقانون رقم 90.13 أنشأ المجلس الوطني للصحافة كهيئة للتنظيم الذاتي للمهنة، مستحضرا في ذلك التوصيات الدولية الصادرة عن منظمات كـمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واليونسكو، التي تؤكد على أن ضمان حرية الصحافة والتعبير يتطلب هيئات مستقلة مهنية ذاتية التنظيم، تشكل وتدار من داخل الجسم الصحافي نفسه. غير أن المشروع، في صيغته المتداولة، يبدو كأنه يجنح نحو تحويل المجلس إلى هيئة ضبط إداري أكثر من كونه هيئة مهنية مستقلة. ويتجلى هذا التوجه في عدد من المقتضيات، منها: في التجارب المقارنة، كما هو الحال في المجلس المستقل للصحافة في المملكة المتحدة (IPSO)، أو في مجلس أخلاقيات الصحافة في بلجيكا (CDJ)، نلاحظ أن استقلالية الهيئة لا تقاس فقط بحدود المهام، بل كذلك بأسس التكوين، وبطبيعة التمثيلية المهنية في بنيتها، وبطرق التعيين، وبالضمانات التي تحول دون تدخل الحكومة أو خضوع الهيئة لسلطتها الرقابية أو التقريرية، بل إن هذه الاستقلالية تتقرر في ما يخص الهيئة الأولى في العلاقة مع ناشري الصحف والمجلات أنفسهم. وهذا ما يجعل غياب الاستقلال الإداري والمؤسسي، أو ضعف آليات الضبط الذاتي المهني داخل مشروع إعادة التنظيم، مؤشرا على نزعة نحو تأطير إداري لمجال كان يفترض أن يدار بوسائل التنظيم الذاتي. ولذلك، فإن المشروع ـ بصيغته المتداولة ـ يمكن أن يفرغ مبدأ التنظيم الذاتي من محتواه الجوهري، ويختزل الاستقلالية في بعدها المالي فقط، متجاهلا الأبعاد الأخرى الأهم، وعلى رأسها الاستقلال المؤسسي والمهني. وهذا ما يكرس نوعا من الضبط المقنن لقطاع الصحافة، باسم التنظيم الذاتي، دون أن يستوفي شروطه الأساسية كما تنص عليها المعايير الدولية والتجارب المقارنة. ثانيا: توسيع الصلاحيات بين الضبط المهني والرقابة المقنعة ينطوي مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على توسيع واضح في صلاحياته، من خلال إحداث سجلات رسمية للصحافيين والناشرين، ومنحه اختصاص إبداء الرأي في مشاريع القوانين المتعلقة بالمهنة داخل أجل محدد، وكذا التنصيص على نشر ميثاق أخلاقيات المهنة في الجريدة الرسمية، وفقا لما سبقت الإشارة إلى ذلك. ولا شك أن هذه التدابير تظهر حرصا على تأطير المهنة وتقنين أسس الممارسة، وتندرج ـ ظاهريا على الأقل ـ ضمن منطق التنظيم الذاتي الذي يهدف إلى الرفع من جودة الصحافة، وضمان احترام أخلاقيات المهنة، وتعزيز الشفافية. غير أن الطابع التنظيمي لهذه الإجراءات لا يخلو من إشكاليات، بالنظر إلى ما تثيره من تساؤلات حول طبيعة التحول الذي تشهده مؤسسة المجلس. فبدل أن يظل المجلس هيئة مهنية ذاتية التنظيم، يبدو أن المشروع يدخله تدريجيا في خانة هيئات الضبط الإداري المستقلة، الشبيهة بهيئات، مثل المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، أو تلك التي تنظم المهن ذات البعد التراخيصي والتقني في عدد من الدول الأوروبية كفرنسا وإسبانيا. وهذا التحول، إن لم يكن مضبوطا بحدود واضحة، قد يمس بجوهر الاستقلال المهني الذي يعد ركيزة لأي تنظيم ذاتي حقيقي. فالتنظيم الذاتي، في التجارب المقارنة، يقوم على مبدأين أساسيين: وبالمقابل، فإن الضبط القانوني، الذي تتبناه بعض الدول في قطاعات حساسة أو ذات طابع تقني، مثل الاتصال السمعي البصري أو قطاعات الأمن السيبراني، يفترض تدخل الدولة في ضبط المهنة عبر قوانين، ورقابة، ووسائل إنفاذ ملزمة، وهو ما لا يتماشى مع فلسفة حرية التعبير واستقلال الصحافة. وإذا كانت بعض الإجراءات التي جاء بها المشروع تظهر نية الجهة التي وضعته في تأطير المجال المهني، فإن المزج بين الضبط الذاتي والضبط القانوني دون توضيح دقيق للحدود قد يؤدي إلى خلق نموذج هجين، تتراجع فيه استقلالية الجسم المهني لفائدة منطق الرقابة المقنعة. فمثلا، تحويل الميثاق الأخلاقي ـ الذي يجب أن يعبر عن تعاقد داخلي بين المهنيين ـ إلى نص منشور في الجريدة الرسمية، قد يحول هذا الميثاق إلى وثيقة ذات قوة قانونية ملزمة بقوة الدولة، ما يفتح الباب أمام آليات التأديب أو المنع بناء على تأويلات قانونية لا على مرجعيات مهنية. وفي التجارب المقارنة، يتم التمييز بدقة بين التنظيم الذاتي والتقنين الخارجي. فـ”مجلس أخلاقيات الصحافة في بلجيكا”، على سبيل المثال، يكتفي بإصدار آراء غير ملزمة أو توصيات تستند إلى الميثاق الأخلاقي، ولا يمتلك سلطات عقابية أو رقابية، ضمانا لحرية التعبير. أما في بريطانيا، فقد خلف “المجلس المستقل لشكاوى الصحافة” النموذج السابق الذي كان متهما بالتقاعس، لكنه ظل ملتزما بمنطق التنظيم الذاتي رغم الإلحاح على فعالية الضبط. أما المشروع المغربي، كما صيغ، فيبدو متأثرا بنموذج مختلط لا يحسم في طبيعة المجلس: هل هو هيئة مهنية تمثل الصحافيين وتنظم شؤونهم وفق قواعد داخلية؟ أم هيئة إدارية تمارس صلاحيات تنظيمية وتقريرية باسم الحكومة؟ وغياب هذا الحسم، بل والتوجه نحو ترجيح الكفة نحو التمأسس الإداري، يجعلنا أمام مشروع يهدد بتحويل التنظيم الذاتي إلى شكل من أشكال الرقابة غير المباشرة، خاصة إذا غابت الضمانات الصريحة لاستقلالية التكوين والاشتغال والحصانة من التدخلات. وبالتالي، فإن توسيع الصلاحيات لا يجب أن يفهم تلقائيا كتعزيز لدور المجلس، بل يجب أن يربط دائما بسؤال الشرعية المهنية، والتمثيلية الديمقراطية داخل الهيئة، وبمدى توافق هذه الصلاحيات مع فلسفة التنظيم الذاتي. فبدون هذه الضمانات، فإن ما يعرض بوصفه تنظيما مهنيا قد لا يكون سوى ضبط إداري مقنع باسم أخلاقيات المهنة. ثالثاـ تركيبة المجلس بين تعزيز الكفاءة وتكريس التمثيلية الانتقائية ينص مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على تقليص عدد أعضائه من 21 إلى 17 عضوا، مع تحديد أكثر دقة للجهات التي تملك حق التعيين وعدد ممثلي كل فئة. ورغم أن هذا التخفيض قد يبرر من منطق “النجاعة” و”التخفيف من ثقل البنية التنظيمية”، فإن القراءة النقدية لهذا التعديل تكشف عن تحول جوهري في فلسفة التمثيلية داخل الهيئة، ينذر بخلل في توازن الأصوات والمرجعيات داخل المجلس. ـ من جهة أولى، يطرح التساؤل حول هل المطلوب هو تقليص أم حذف الهيئات التي كانت ممثلة في النسخة السابقة من المجلس؟ فالمشروع يبقي فقط على تمثيلية ثلاثة مؤسسات أو هيئات كلها ذات طابع دستوري، مجسدة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بينما حذف تمثيلية هيئات أخرى، مثل جمعية هيئات المحامين بالمغرب واتحاد كتاب المغرب، يفترض أن النص على تمثيلها في الصيغة السابقة يعكس الطابع التعددي الذي كان يضفي بعدا أفقيا على بنية المجلس، ويوسع من قاعدة مشاركته المجتمعية. فهذه الهيئات، وإن لم تكن تنتمي إلى الجسم الصحافي الصرف، إلا أن تمثيلها يمكن أن يسهم في توفير زوايا نظر أدبية وحقوقية تغني أداء المجلس، وتذكره بوظيفته الاجتماعية لا التنظيمية فقط. وبالتالي، فإن حذف هذه الأصوات قد يفتح الباب أمام نوع من التمركز المهني الضيق، ويمكن أن يؤدي إلى اختزال المجلس في نخبة بيروقراطية أو مهنية محدودة، ما قد يقوض روح الانفتاح والمشاركة. وبالتالي قد يعتبر الاقتصار على تمثيل مؤسسات رسمية هو مجرد تكريس إشكالية هيمنة الطابع الرسمية على المجلس. في المقابل، تظهر بعض التجارب المقارنة أن التمثيلية المهنية في هيئات التنظيم الذاتي للصحافة ليست فقط مسألة عدد، بل تتعلق بطبيعة التمثيل، ومصدر الشرعية، ودرجة الاستقلال عن السلطة السياسية. ففي بلجيكا مثلا، يتكون مجلس أخلاقيات الصحافة (CDJ) من ممثلين عن الصحافيين، والناشرين، والأكاديميين، والمجتمع المدني، ويتم تعيينهم وفق آلية تضمن التوازن بين المكونات، دون سيطرة مكون على آخر. وفي بريطانيا، يضم المجلس المستقل لشكاوى الصحافة (IPSO) ممثلين عن الصحافة، لكن أيضا عن العموم، من غير المنتمين إلى الحقل المهني، لضمان المصداقية والاستقلال. وبالتالي، فإن تقليص العدد، دون وضع ضمانات قوية لتعددية المرجعيات واستقلالية التعيين، يحوِل المجلس من “منصة تشاركية” واسعة إلى هيئة ضيقة خاضعة لنفوذ جهات معينة، سواء مهنية أو سياسية أو إدارية. وهو ما يناقض فلسفة التنظيم الذاتي التي تقوم على تعدد الفاعلين، وتوزيع السلطة المهنية، وضمان الحياد في التمثيل والقرار. ـ من جهة ثانية، فإن تقييد جهات التعيين وتخفيض عدد الأعضاء لا يمكن فصله عن السياق العام الذي يشهد ميلا متزايدا إلى التحكم في هيئات الوساطة والتقنين، عبر هندسة تركيبتها على نحو يمكن فئات محددة ـ غالبا قريبة من السلطة أو ذات امتياز مؤسساتي ـ من التأثير في توجهاتها. وهذا النمط من “التمثيلية الانتقائية” يضعف من شرعية الهيئة، ويفتح المجال أمام توجيه القرار المهني وفق اعتبارات غير مهنية أو غير تعددية. ـ ومن جهة ثالثة، فإن ما ينص عليه المشروع بخصوص ربط انتداب ممثلي فئة الناشرين بمعيار عدد المستخدمين المصرح بهم، وكذا بحجم رقم المعاملات السنوي، وفقا لما هو محدد في المواد 43، 44 و45، من شأنه أن يؤدي إلى تقليص التعددية داخل هذا المجال، وأن يعزز بشكل غير مباشر هيمنة المجموعات الصحافية الكبرى على تمثيلية هذه الفئة. ويترتب عن ذلك تهميش واضح للهيئات والمنشآت الإعلامية والصحافية الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل جزءا لا يستهان به من النسيج المهني، الأمر الذي يتنافى مع مبدأ الإنصاف في التمثيلية، ويقوض كل إمكانية لضمان توازن سليم بين مختلف مكونات الجسم الصحافي. فلا يمكن لهذه التمثيلية أن تبنى على منطق القوة الاقتصادية أو حجم الاستثمارات فقط، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار معطيات أخرى. هناك من يدفع مثلا بمعيار الانتشار والمقروئية باعتبارهما المؤشرين الأكثر تعبيرا عن الحضور الفعلي والتأثير المجتمعي للمؤسسات الإعلامية من منطلق أن المؤسسة الإعلامية، أيا كان وضعها المالي أو الاقتصادي، لا تؤدي وظيفتها العامة إلا بقدر ما تصل إلى الجمهور وتحظى بمتابعته وتفاعله. ومن هذا المنظور، فإن اعتماد معيار القراءة والمشاهدة الفعلية يعكس طبيعة العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع، ويمنح التمثيلية طابعا ديمقراطيا حقيقيا، يقطع مع منطق الامتياز المالي أو القرب من دوائر السلطة والإشهار. غير أن هذا المعيار بدوره لا يخلو من إشكالات، خاصة في ظل التحولات التي يعرفها المجال الإعلامي، حيث لم يعد التأثير يقاس حصرا بعدد القراء أو نسب المشاهدة، بل دخلت مؤشرات أخرى كعدد “الإعجابات” و”المتابعات” في وسائط التواصل، ما يجعل المقياس التقليدي للانتشار خاضعا بدوره لمحددات رأسمالية قد تعيد إنتاج التفاوت نفسه. لذلك، يبدو اعتماد نظام التمثيل النسبي كآلية أكثر توازنا وإنصافا، قادرا على استيعاب تعددية الحقل الإعلامي المغربي وتمثيل مختلف فئاته بشكل عادل. فهذا النظام يمكن من الجمع بين ضمان تمثيلية المؤسسات الكبرى، لما لها من وزن داخل القطاع لا يمكن إنكاره، وبين تأمين حد أدنى من الحضور المؤسساتي للمقاولات الصحافية الصغرى والمتوسطة، التي، وإن كانت محدودة من حيث الموارد والإمكانيات، فإنها تشكل أغلبية عددية وواقعية، وتعكس تنوع الحساسيات المهنية والجهوية والثقافية داخل المشهد الإعلامي الوطني. وبالتالي، فإن التمثيلية القائمة على التعدد والتوازن تمكن من بناء مشهد إعلامي أكثر انفتاحا وعدالة، وتسهم في تعزيز شرعية المجلس كمؤسسة تعددية تمثل مختلف أصوات الحقل الإعلامي بدل اختزاله في نخبة اقتصادية محدودة. وبهذا الشكل، يمكن أن تتحقق عدالة تمثيلية تراعي مبدأ التعددية، وتعكس الواقع البنيوي للقطاع، دون أن تترك المجال لهيمنة المؤسسات القوية ماليا أو القريبة من دوائر النفوذ السياسي والإشهاري، كما يفترض أن يسهم ذلك في إرساء تمثيلية أكثر ديمقراطية وتوازنا داخل المجلس، تعزز من شرعيته وتوسع قاعدته التمثيلية. وإذا كان يسجل للمشروع على هذا المستوى أنه تضمن مقتضى صريحا بخصوص المناصفة بين النساء والرجال في تركيبة المجلس، وهو مكسب مهم يتماشى مع روح الفصل 19 من دستور 2011، الذي يكرس مبدأ المساواة والمناصفة، ومع التزامات المغرب الدولية في هذا المجال، فإن التنصيص على المناصفة القانونية لا يعفي من ضرورة ضمان مشاركة فعلية وفعالة للنساء داخل المجلس، وذلك عبر توفير شروط التمكين المهني، ومنع اختزال الحضور النسائي في بعد رمزي أو شكلي، أو حصره في تمثيليات محددة سلفا دون تنوع. وبالتالي، فإن تعديل تركيبة المجلس، كما جاء في المشروع، يمكن أن يعبر عن نزوع نحو الفعالية الإدارية على حساب التعددية المؤسساتية، ما يفقد المجلس جزءا من شرعيته التمثيلية، ويضعف قدرته على لعب دور الحكم المهني المحايد أو على الأٌقل الموضوعي والمنفتح، كما يفترض في أي هيئة قائمة على منطق التنظيم الذاتي. رابعا:نظام العقوبات التأديبية بين مطلب الشفافية ومخاطر المس بحرية الصحافة من بين المستجدات اللافتة التي جاء بها مشروع إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة ما يتعلق بإرساء نظام عقوبات تأديبية أكثر تفصيلا واتساعا، سواء من حيث الإجراءات أو من حيث آثارها. لأول وهلة، قد يقرأ هذا النظام التأديبي الموسع بوصفه تعزيزا لمبدأ الشفافية والمساءلة المهنية، ومحاولة لضمان الحد الأدنى من التدرج في الطعن. بيد أن القراءة المتأنية لهذه المقتضيات تبرز عددا من الإشكاليات الجوهرية، على مستوى الضمانات الإجرائية والمفاهيم القانونية الناظمة. 1ـ إن توسيع صلاحيات المجلس في المجال التأديبي، لاسيما ما يتعلق بقرارات تصل حد توقيف النشر، يمثل تجاوزا لمجال التنظيم الذاتي ودخولا في منطق السلطة الزجرية التي من المفترض أن تكون من اختصاص القضاء وحده، خاصة عندما يتعلق الأمر بحق دستوري أصيل كحرية التعبير بواسطة الصحافة. وفي هذا الإطار، تظهر التجارب الديمقراطية أن اتخاذ قرارات بتوقيف الصحف أو منع النشر لا يفترض أن يتم إلا استثناء، وبموجب أحكام قضائية مبررة، وفي حالات قصوى، مثل التحريض العلني على العنف أو التمييز أو الإرهاب، وليس بناء على مخالفات مهنية أو تأويلات فضفاضة لميثاق الأخلاقيات. 2ـ غياب النص الصريح على قواعد المحاكمة العادلة داخل المسطرة التأديبية يعد خللا بنيويا في المشروع. فالمحاكمة العادلة، كما حددتها المواثيق الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (المادة 14)، تقتضي ضمانات أساسية، من بينها: وفي غياب التنصيص الواضح على بعض هذه الضمانات، تصبح العقوبات التأديبية معرضة لشبهة التحكم والتأويل الانفرادي، بل وربما التوظيف السياسي أو المهني في صراعات داخل الجسم الإعلامي أو مع السلطة. 3ـ تطرح مقتضيات المشروع إشكالية الجمع بين المهام التنظيمية والرقابية داخل نفس الهيئة. فالمجلس، حسب مشروع القانون، هو من يضع القواعد الأخلاقية من خلال اعتماد ميثاق الشرف، ومن يراقب مدى الالتزام بها، وهو أيضا من يصدر العقوبات التأديبية في حال الإخلال بها، ثم هو من يستأنف أمامه نفس القرار التأديبي عبر لجنة داخلية. هذا الوضع ينتج ما يعرف في أدبيات التنظيم المهني والقانون الإداري بـ”تضارب الوظائف”، حيث الهيئة تصبح خصما وحكما في آن واحد، ما يقوض ضمانات الحياد والإنصاف، ويفتح الباب أمام تعسف محتمل في استعمال السلطة، سواء لأسباب مهنية أو سياسية أو شخصية. في حين توصي المعايير الدولية، بما فيها توصيات مجلس أوروبا واليونسكو، بضرورة الفصل بين الوظائف، وعدم تمركز السلطات بيد هيئة واحدة، حتى وإن كانت مهنية، لما في ذلك من تهديد لحرية الصحافة، بل تشدد هذه المعايير على أن يكون التأديب ـ متى تعلق بعقوبات جوهرية تمس الحق في النشر والعمل ـ محصورا في يد سلطة قضائية مستقلة، وليس بقرار من هيئة تنظيمية أو تأديبية ذاتية. 4ـ إن مبدأ التناسب بين الخطأ المهني والعقوبة يظل غائبا في المشروع، أو غير على الأصح غير مضمون بآليات واضحة. فلا يعقل أن تواجه مخالفات بسيطة، مثل خرق شكلي في نسب التصريحات أو أخطاء تحريرية غير مقصودة، بعقوبات جسيمة كالإيقاف المؤقت أو التشهير المهني. فالقواعد التأديبية يجب أن تصمم على نحو تدريجي وتربوي، لا زجري صرف، حماية لكرامة الصحافي أولا، ولمبدأ حرية التعبير ثانيا. لذلك، فإن مقتضيات المشروع في هذا الباب، وإن حملت نوايا إصلاحية على مستوى التنظيم والانضباط المهني، فإنها، في غياب الضمانات القانونية الصارمة، قد تفضي إلى منظومة تأديبية غير متوازنة تهدد حرية الصحافة من داخلها، باسم التنظيم المهني. خامسا:اللجنة المؤقتة بين سد الفراغ التنظيمي ومخاطر التطبيع مع الاستثناء ينص المشروع على إمكانية إحداث لجنة مؤقتة لتصريف المهام، في حالة تعذر تجديد هياكل المجلس بعد انتهاء ولايته، على إثر حكم قضائي يثبت ذلك التعذر. ولا شك أن هذا التنصيص يعد تحسنا ملحوظا مقارنة بالقانون السابق، الذي لم يتضمن أي مقتضى يعالج الفراغ المؤسساتي في حالة تعطل الآليات الانتخابية، مما أدى فعليا، خلال الفترة الأخيرة، إلى لجوء استثنائي وغير مؤسس إلى آلية تعيين لجنة مؤقتة، وهو ما أثار نقاشا واسعا حول مدى احترام مبدأ التنظيم الذاتي واستقلالية الهيئة. غير أن هذا التحسن، رغم أهميته، لا يخلو من إشكالات، لاسيما إذا نظرنا إلى مدى ضبط المشروع لشروط تشكيل اللجنة المؤقتة، وحدود اختصاصاتها، وأجل ولايتها. فالمشروع يحدد مدة اشتغال اللجنة في 120 يوما، قابلة ـ بحسب ما يستشف من النص ـ للتمديد الضمني إن لم يتم احترام الآجال الانتخابية. وهو ما يثير التخوف من أن تتحول هذه الآلية الاستثنائية إلى وضع دائم أو متكرر، يتم اللجوء إليه عند أول تعثر انتخابي، وبالتالي التطبيع مع المؤقت، وتفريغ مبدأ الانتخاب من مضمونه. كما أن المشروع لا يحدد آجالا إلزامية ودقيقة لإجراء الانتخابات بعد انقضاء مدة اللجنة المؤقتة، ولا يرسي آلية للمراقبة أو الطعن في تمديد عملها، ما يفتح الباب أمام إمكانية إدامة حالة الاستثناء خارج رقابة واضحة أو معايير موضوعية. وكل ما ينص عليه المشروع هو أنه “تنتهي مهام اللجنة الخاصة بمجرد ال عن النتائج النهائية لانتخاب وانتداب ممثلي الصحفيين المهنيين وممثلي الناشرين بالمجلس” (المادة 17)، ولا يعاجل بالتالي الوضعية التي قد يتعذر فيها عدم إجراء هذا الاقتراع أو الانتداب داخل المدة المؤقتة المحددة للجنة. في التجارب المقارنة، كألمانيا والسويد، حين يلجأ إلى هيئات انتقالية أو لجان مؤقتة في حالات الضرورة، فإن التشريعات تنص صراحة على: بمعنى آخر، فإن اللجنة المؤقتة، في التجارب الديمقراطية، تصمم كأداة طوارئ، تقيد بزمن ومهام محددة، ويراعى في تشكيلها ألا تتحول إلى امتداد للسلطة الحكومية أو مركزا لصنع القرار المهني دون شرعية انتخابية. في الحالة المغربية، ورغم أن المشروع نص في المادة 16 منه على أن تشكيل اللجنة الخاصة يتم بعد صدور مقرر قضائي يقضي بحل الجمعية العامة للمجلس، إما بسبب رفض ثلاثة أرباع أعضائها المنتخبين أو المنتدبين حضور اجتماعاتها، وإما بسبب عدم الشروع في عمليات انتخاب أو انتداب هؤلاء الأعضاء، إلا أن طبيعة اللجنة كما نص عليها المشروع تطرح بعض الإشكاليات على مستوى الشرعية التمثيلية والتوازن المؤسساتي. وهو ما يثير مخاوف من أن يعاد إنتاج تجربة اللجنة المؤقتة، والتي عرفت انتقادات حادة بخصوص افتقارها للمشروعية الديمقراطية، وارتباك في حدود صلاحياتها. فضلا عن ذلك، فإن منح رئيس الحكومة صلاحية تعيين عضوين من الفئة المهنية (ناشر وصحافي مهني) يطرح إشكالا من حيث مدى تعبير هؤلاء عن الجسم المهني فعليا، لأنهم لم ينتخبوا ولا رشحوا من طرف المؤسسات المهنية أو القواعد الصحافية، بل اختيروا من خارج منطق التفويض المهني، ما يفرغ التمثيلية من مضمونها، ولو مؤقتا. ثم إن الاقتصار على ممثل عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية بصفته رئيسا وآخر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مع وجود تعيينين حكوميين، يقلص من حضور المهنيين داخل اللجنة المؤقتة، ويطرح تساؤلات حول قدرتها على اتخاذ قرارات تعكس تطلعات الصحافيين ومصالح المهنة. صحيح أن اللجنة المحدثة تحمل طابعا مؤقتا، وأنها تأتي في سياق فراغ مؤسساتي ناتج عن انتهاء ولاية المجلس المنتخب، وتعذر تجديد هياكله في الأجل القانوني، إلا أن هذا الطابع الانتقالي لا يبرر تجاوز منطق التمثيلية المهنية الديمقراطية أو ترجيح كفة السلطة التنفيذية في تعيين أعضائها. ففترة الانتقال لا ينبغي أن تستغل كذريعة لتكريس أعطاب دائمة، بل يجب أن تصمم اللجنة المؤقتة بوصفها هيئة محايدة، ذات تمثيلية موزونة، مهمتها الإعداد لانتخابات جديدة بشفافية وتجرد، دون أن تتحول إلى أداة تحكم أو امتداد للسلطة التنفيذية داخل الجسم الصحافي. وعليه، فإن تثبيت مبدأ اللجنة المؤقتة يجب ألا يفهم كمعالجة دائمة لانسداد الهيئات المنتخبة، بل كحل مؤقت مقيد بقيود قانونية صارمة، تضمن عدم استعماله كغطاء لتجاوز الآليات الديمقراطية، أو كذريعة لتفادي استحقاقات انتخابية لا تكون مواتية لبعض الجهات الفاعلة. فالتنظيم الذاتي، إن لم يؤسس على منطق التمثيلية والانتخاب، سرعان ما يتحول إلى تدبير فوقي مموه يغلف الإدارة بالشرعية المهنية، دون أن يستوفي شروطها. في هذا الإطار، يمكننا أن نتساءل مثلا لماذا لا يتم النص على استمرار المجلس القائم في مزاولة مهامه خلال المرحلة الانتقالية، في حال تعذر انتخاب مجلس جديد داخل الآجال القانونية، على أن يقتصر دوره على تصريف الأعمال الجارية ولمدة محددة ينص عليها صراحة في القانون؟ شريطة أن يكون هذا التمديد المؤقت مضبوطا زمنيا، مثلا لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أو سنة كحد أقصى، تحتسب ابتداء من انقضاء ولاية المجلس دون انتخاب خلف له، وذلك لضمان عدم تحول هذا الوضع الاستثنائي إلى حالة دائمة أو ذريعة لتعليق الانتقال الديمقراطي داخل المجلس. إن مثل هذا التدبير المستلهم من منطق “حكومة تصريف الأعمال”، يعد أكثر انسجاما مع روح الاستمرارية المؤسساتية وضمان الشرعية الديمقراطية، سيما وأنه على الأقل يمكن من الحفاظ على مجلس منتخب بصلاحيات مؤطرة، بدل اللجوء إلى تشكيل لجنة معينة لا تستند إلى قاعدة انتخابية ولا تعكس توازنات المشهد الإعلامي. وبالتالي، فبدل أن يؤدي التعثر في تنظيم الانتخابات إلى العودة إلى منطق التعيين أو خلق هياكل انتقالية غير شرعية، يشكل استمرار المجلس المنتخب، ضمن فترة زمنية محددة وبصلاحيات مقيدة، حلا وسطا يحمي انتظام المؤسسات، ويكرس الشرعية التمثيلية دون المساس بمبدأ التداول الديمقراطي. رغم ما يتضمنه مشروع القانون من تعديلات تنظيمية وتحسينات إجرائية في هيكلة وتدبير المجلس الوطني للصحافة، إلا أن جوهر الإشكال يظل قائما، إذ لا يلامس المشروع الأسئلة البنيوية العميقة التي تهم طبيعة النظام الإعلامي وأفق الإصلاح الديمقراطي، وأبرزها: كيف يمكن ضمان استقلال فعلي للمجلس عن الجهاز الحكومي؟ وكيف يمكن رسم حدود واضحة بين التدخل المشروع لضمان حسن التنظيم، وبين التدخل غير المقبول الذي يفضي إلى التضييق والتحكم في الحقل الإعلامي؟ ما يزال مفهوم “الاستقلالية” في حاجة إلى تدقيق قانوني صريح يوضح الفوارق الدقيقة بين وظائف التأطير العمومي للإعلام وضمان حريته، وبين ما قد يتحول إلى آليات للهيمنة الناعمة أو التوجيه غير المعلن. كما أن المشروع لا يضع ضمانات حقيقية لتحصين المجلس من التسييس أو من اختراقات تضعف مبدأ التنظيم الذاتي وتفرغه من محتواه. ويبقى غموض وظيفة المجلس، هل هو هيئة مهنية مستقلة تعنى فقط بأخلاقيات المهنة، أم هيئة شبه تنظيمية تزاوج بين الضبط والتأديب، مسألة لم تحسم بشكل نهائي. وهو ما يفتح الباب أمام تداخل الاختصاصات وتنازع الأدوار، خصوصا في ظل استمرار التدخل الإداري والسياسي في بنيات التمثيلية المهنية. ولأن الإصلاح لا يمكن أن يكون مجتزأ، فإن الوضع يقتضي مراجعة شاملة للمنظومة القانونية والإدارية التي تحكم الحقل الإعلامي، بما يشمل: قانون الصحافة والنشر، القانون المنظم لصفة الصحافي المهني، النظام الضريبي الخاص بالمقاولات الإعلامية، وفعالية الحق في الحصول على المعلومات…إلخ. وبالتالي، فإن مشروع القانون، رغم ما يحمله من مؤشرات على الرغبة في إعادة ضبط الإطار التنظيمي للمجلس الوطني للصحافة، يظل خطوة غير كافية ما لم تواكبها إرادة سياسية حقيقية لإعادة الاعتبار لاستقلالية الصحافة. فالمشكل الأساسي لا يكمن في النصوص فقط، بل في المناخ العام الذي ينتج هذه النصوص، وفي تصور الدولة لوظيفة الإعلام، وفي مدى استعداد الفاعلين السياسيين والمؤسساتيين لتقبل وجود صحافة مستقلة تؤدي أدوارها في النقد والمساءلة. فمقاربة الدولة للصحافة ما تزال تتسم بالحذر المفرط، وتبقي على الإعلام كـ”قطاع حساس” يحتاج إلى الرقابة والتأطير أكثر مما يحتاج إلى الحرية والتثمين. وهذا ما يفسر استمرار التدخلات غير المباشرة في تشكيل المجالس المهنية، واعتماد آليات تعيين تفرغ التمثيلية من مضمونها، وتضعف مبدأ التنظيم الذاتي عبر الامتدادات الإدارية والتقنية للسلطة. ولكي يتحول هذا المشروع إلى لحظة تأسيس حقيقية، لا بد من القطع مع منطق “الترقيع” والانتقال إلى منطق الإصلاح الشامل الذي يقوم على المبادئ التالية: ـ إعادة بناء العلاقة بين الدولة والإعلام على قاعدة الشراكة بدل الوصاية. ـ تعزيز الطابع المهني والتعددي للمجلس الوطني للصحافة، وتجنب التمركز أو الإقصاء الرمزي لفئات بعينها. ـ ربط آليات التأديب بضمانات قضائية ومهنية صلبة، تحمي حرية الصحافي وتصون حقوقه. ـ تمكين المجلس من آليات للدعم والتكوين والتأطير، بدل التركيز فقط على العقوبات والانضباط. ـ تحصين مبدأ التنظيم الذاتي من كل توظيف سياسي أو تأويل إداري قد يفرغه من معناه. في النهاية، فإن بناء إعلام مستقل ومهني لا يتوقف على جودة الصياغة القانونية، بل يتطلب تحولا في الثقافة السياسية والرؤية الاستراتيجية لدور الإعلام في المجتمع. فالسؤال الحقيقي الذي يفترض أن يطرح اليوم هو: هل تنظر الدولة المغربية إلى الصحافة كسلطة شريكة في البناء الديمقراطي، أم كجهاز يجب ضبطه والتحكم فيه أو استعماله للضبط والتحكم؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست نظرية، بل ستكون هي الاختبار الحقيقي لمستقبل حرية الصحافة في المغرب، ولقدرة البلاد على مأسسة الديمقراطية من خلال منظومة إعلامية حرة، مستقلة، ومسؤولة. أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، كلية الحقوق السويسي بالرابط
ما الذي يحققه فريق كرة القدم عندما يشارك في منافسة دولية بالمغرب إذا انخرط في سلوكيات غير رياضية، مثل إخفاء اسم المغرب أو إتلاف لافتات المؤسسات الأفريقية والمغربية الراعية للبطولة؟ مثل هذه التصرفات لا تخدم الفريق الجزائري رياضيًّا، بل قد تشتّت تركيزه عن التحضير الجيّد للمباريات، وتتسبّب في تبعات مع الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. الحساسية من المغرب ترقى إلى مُستوى عقيدة سياسية لدى مسؤولين في الجزائر.. وها هي تُلقَّن حتى لفريق رياضي من شابّات، يُفترض أن الرياضة تُمرِّنهُنَّ على قِيَمٍ إنسانية تحملها الروح الرياضية. “عَدْوَى” الحساسية من المغرب كُلّف “فَيْلَق” الإعلام الجزائري بتعميمها، وألاّ يوقفها حتى وهو يتابع حضور الفريق النسوي الجزائري في كأس أفريقيا المُنظمة في المغرب. في ممارسة تتناقض مع المعايير المهنية التي تتطلّب الحياد والدقة، تُسقِط وسائل الإعلام الجزائرية عمدًا الإخبارَ بمكان منافسات الكأس الأفريقية. الكأس “تَجري وبَسْ”… في تنكّر واضح لأُولى قواعد الخبر، وهي: ذِكر المكان. المغرب يحوز ثقة هيئات دولية لتنظيم تظاهرات دولية، وفي هذه الحالة الفيدرالية الأفريقية لكرة القدم. وممنوع على الإعلام الجزائري أن يُخبر بذلك، مجرّد الإخبار، ودون تعليق أو إضافات، كما يفعل دائمًا مع كلّ خبر إيجابي موضوعه المغرب، ما يؤكد أن الموقف المُسبق من المغرب راسخٌ لدى المسؤولين في الجزائر. المغرب متألّقٌ لكونه منشغلًا بصَون حقّه الوطني؛ حقّه في وحدته الوطنية، ترابًا وشعبًا، وحقّه في إنجاز المشروع التنموي الحداثي الذي يقوده الملك محمد السادس. حقّان مُترابطان ومتفاعلان يستأثران بكلّ الجُهد المغربي، ولا يُبقيان له، في مشاغله، أن يُعادي الجزائر، وبالأحرى أن يُجاريها في مشاغباتها. المغرب مُنهمكٌ في ما يُفيد الجزائر نفسها، ويَفتح لها آفاقًا تنموية رحبة ودائمة. وجود جارٍ للجزائر قويّ بوحدته وتقدّمه واستقراره، يُوفّر لها امتدادًا جغرافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، تنتفع معه حين تسعى إلى تحرير اقتصادها من هيمنة ريع الطاقة، فضلًا عن كون ذلك يُوفّر على الجزائر إضاعة مبالغ ضخمة وأعباء دبلوماسية ثقيلة في تحمّل حركة انفصالية، على مدى نصف قرن، تحمل في جيناتها عوامل اندثارها. على مدى هذا النصف قرن، العديد من الحركات الانفصالية في أميركا اللاتينية وآسيا وأوروبا وضعت سلاحها وتحوّلت إلى أحزاب سياسية في الحياة الداخلية لشعوبها. آخرها “حزب العمال الكردي” في تركيا. أكثر من 125 دولة صرّحت بأنها مع صَون وحدة التراب المغربي، وترى في مقترح الحكم الذاتي حلًّا سلميًّا وجديًّا وواقعيًّا ودائمًا للمنازعة الجزائرية في الصحراء المغربية. وضمن تلك الدول ثلاث من مالكي حقّ الفيتو في مجلس الأمن الأممي، وكلّ الدول العربية (عدا الجزائر)، وعشرات الدول الأفريقية… والجزائر تردد: لا بدّ من الاستفتاء. الإعلام الجزائري، وكما عوّدنا على ذلك، لن يُخبر جمهوره بأن عدالة القضية المغربية تكسب المقتنعين بها بشكل شبه يومي، وها قد اقتحمت قلعة السند الرئيسي للجزائر، الداخل السياسي لجنوب أفريقيا، حيث تبنّى “حزب رمح الأمة” في وثائقه السياسية والبرنامجية مقترح الحكم الذاتي، وصرّح بدعمه لوحدة التراب الوطني المغربي، وضمنها الصحراء المغربية. الحزب يرأسه جاكوب زوما، رئيس جنوب أفريقيا الأسبق، وهو ثالث حزب وزنًا سياسيًّا في برلمان جنوب أفريقيا، ومرشّح لأن يكون في موقع رئاسة الحكومة المقبلة، المنبثقة عن الانتخابات التشريعية بعد أقل من ثلاث سنوات. ذلك الخبر لن يكون له موقع في الإعلام الجزائري، لأن ما وراءه صادمٌ؛ وراءه أن الدبلوماسية المغربية نجحت في أن تفتح ممرّات للقناعة المغربية إلى الحياة الداخلية للعمل السياسي في جنوب أفريقيا، وأن الحملة الانتخابية المقبلة سيكون فيها حضورٌ للصحراء المغربية أقوى من “صحراء بوليساريو”. والأهم، أن زوما أول من التقاه في المغرب هو وزير الخارجية ناصر بوريطة. زعيم حزب جنوب أفريقي يستقبله وزير الخارجية المغربي، لا يتم ذلك إلا بضوء أخضر، ضمنيًا، من حكومة جنوب أفريقيا، ما يعني أنها تمارس عمليات إحماء لضخّ مضمون نوعي في علاقات جنوب أفريقيا مع المغرب، عبر بوابة الصحراء المغربية. قيادة جنوب أفريقيا صاحية في قراءتها لمجريات التحولات الجيوسياسية في شمال أفريقيا، وللموقع المركزي الذي يحوزه المغرب فيها. وهو الموقع الذي من مؤشراته الميل الدولي الصارم لحلّ نزاع الصحراء المغربية على قاعدة مقترح الحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية. وربح المغرب أكثر فائدة للمجتمع الدولي من مجاراة الجزائر في موقفها المعاكس لاتجاه الوقائع في المنطقة، خاصة وأن المغرب لا يُطعِم أطراف علاقاته وجبات من شعارات. المغرب يُقدِم على مبادرات واقعية ومنتِجة لتبادل الثروات والمنافع بينه وبين أطراف علاقاته، مثل المبادرة الأطلسية الواعدة بحركية اقتصادية كثيفة ومفيدة لدول الساحل والمُشاطِئة للمحيط الأطلسي، وهي المبادرة الماضية في التحقق. وأيضًا أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، والذي تجتهد لجانٌ عملياتية في تدقيق إنجازه، كما يدلّ على ذلك الاجتماع الأخير لإحدى اللجان في المغرب خلال الأيام القليلة الماضية. الحقيقة أن المغرب يتقدّم، بخطوات ثابتة، نحو الانتصار لحقّه الوطني الوحدوي، وحقّه التنموي الاجتماعي. ذلك يُزعج الجزائر، فتوجّه إعلامها ضد المغرب، وتشغل نفسها بتفاصيل غير مفيدة، منها تلك المتصلة بمنافسات كأس أفريقيا لكرة القدم النسائية، والبحث عن أشخاص هنا وهناك لترديد شعاراتها، مثل جون بولتون، وهو المتقاعد في السياسة الأميركية. بولتون، لمّا كان في الخدمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رئاسته الأولى، كان مدافعًا شرسًا عن إسرائيل. وهو اليوم يُناصر، متحمِّسًا، بوليساريو، ويخرج هنا وهناك ليدافع عن “حقّ تقرير المصير للشعب الصحراوي.” وهو كلام في الوقت بدل الضائع، وعلى هامش وضد القناعة الدولية، وضمنها القناعة الأميركية… كلامه لا تسمعه إلا الجزائر. لكنه أفادني بأنه وافقني في إحدى التصريحات بأن بوليساريو ليست حركة يسارية ماركسية ولا جهادية. وأنا معه أنها حركة بلا قضية جدية، وبلا هوية أيديولوجية. مؤسسوها الأصليون كانوا وطنيين، وزعيمهم مصطفى الوالي كان وحدويًّا بعثيًّا. بعيد التأسيس عاد الوطنيون إلى وطنهم المغرب، ووظّفت الجزائر وليبيا حماسة مصطفى الوالي لحساباتهما المختلفة، إلى أن أضحت اليوم مجرد جهاز انفصالي، وتحتاج إلى عملية تحديد هوية العاملين فيها وأفراد ميليشياتها. الجزائر، التي تواجه تحديات اقتصادية وسياسية، قد تستفيد من الانخراط في تعاون إقليمي مع المغرب بدلًا من استمرار التوترات. إعادة فتح الحدود وتعزيز التبادل الاقتصادي يمكن أن يُخفف من الضغوط الاقتصادية، ويفتح آفاقًا للتنمية المستدامة. التركيز على الحوار والتعاون، بدلًا من المواجهة أو الممارسات غير البنّاءة، سيخدم مصالح الشعبين الجزائري والمغربي. في النهاية، يظل المغرب ملتزمًا بتعزيز وحدته الوطنية ومشاريعه التنموية، بينما تواجه الجزائر خيارًا بين مواصلة سياسات قد تعزز عزلتها أو الانفتاح على تعاون إقليمي يعزز الاستقرار والازدهار. الحل يكمن في تجاوز الخلافات التاريخية والتركيز على المصالح المشتركة، لضمان مستقبل أفضل للمنطقة بأسرها
“ان من يريد أن يحلق عاليا يجب أن يتعلم أولا كيف يقف على قدميه”فريديريك نيتشه في حالة اقرار مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة المعروض حاليا أمام لجنة التعليم والثقافةوالاتصالً بمجلس ستكون تجربة التنظيم الذاتي في حلتها الجديدة الوحيدة في العالم التي تعتمد في عملية تشكيلها، نمطين مختلفين في الاختيار، الانتخاب ومعه التعيين عبر الانتداب، وهو ما يخلق تناقضا داخل المجلس قد يعاني منه مستقبلا.وبغض النظر عن مستوى التعديلات التي ادخلت على القانون المحدث للمجلس الوطني للصحافة التي تهم بالخصوص تركيبة المجلس و طريقة تكوينه و الآجال المرتبطة بمعالجة الشكايات، فإن المشروع توجه نحو التمييز بين طريقة حصول الصحافيين و الناشرين على عضوية المجلس، التي تتراوح ما بين بين انتخاب ممثلي الصحافيين في انتخابات عامة ، يشارك فيها كافة الصحافيين و الصحافيات الحاصلين على بطاقة الصحافة المهنية برسم السنة التي تجري فيها الانتخابات، في حين حدد المشروع التعديلات الجديدة، عضوية ممثلي الناشرين في المجلس عن طريق الانتداب كممثلين عن المنظمات المهنية .فضلا عن ذلك فإن المشروع الحكومي، لم يتقيد بمنطوق الدستورالذي ينص في فصله ال 28 على أن السلطات العمومية ” تشجع “على تنظيم قطاع الصحافة، بكيفية مستقلة، وعلى أسس ديمقراطية. كما يلاحظ بأن المشروع القانوني لم يخضع قبل احالته على مجلس النواب إلى نقاش عمومي، كما لم يكن محط تداول مع الهيئات المهنية، وهو الأمر الذي نفاه وزير الشباب والثقافة والتواصل خلال تقديمه للمشروع أمام اللجنة النيابية، بالقول إن اللجنة المؤقتة لتسيير قطاع الصحافة ” تشاورت مع مختلف الهيئات المهنية في مجال الصحافة والنشر قبل وضع هذهالتعديلات”.وبالعودة الى الظهير الشريف المتعلق بتنفيذ القانون رقم 90.13 القاضي بإحداث المجلس الوطني للصحافة، فإن من ينظر الى المجلس ك”هيئة مهنية”، وهذا يجانب الوضع القانوني لهذا المجلس إذ، أن المادة الرابعة ( 4 ) تنص على أن المجلس يضم في تركيبته ممثلين عن ست (06) مؤسسات وطنية، ثلاثة (03) يمثلون مؤسسات إعلامية عمومية وثلاثة (03) يمثلون مؤسسات دستورية، وهو ما جعل المجلس على المستوى المؤسساتي، الهيئة الوحيدة التي تضم في تركيبتها ممثلين عن مؤسسات عمومية وممثلين عن مؤسسات دستورية، على خلاف الهيئات المهنية الأخرى من قبيل هيئة المحامين، والهيئة الوطنية للطبيبات والأطباء، والهيئة الوطنية للمهندسين المعماريين…فهذه الهيئات المهنية، تتألف من فئة واحدة (محامون، أطباء ،مهندسون .. ) على عكس وضعية المجلس الوطني للصحافة، الذي يضم ثلاث فئات: فئة الصحافيون المهنيون، وفئة ناشرو الصحف، وفئة ثالثة معينة تمثل بعض المؤسسات الدستورية والوطنية كما هي محددة في المادة 4 من القانون رقم 90.13. كما أن الأعضاء المنتسبون إلى الهيئات المهنية المذكورة (المحاماة، الطب، الهندسة…) الذين يخضعون في تنظيم مهنتهم لهذه الهيئات، يؤدون واجبات الانخراط، في حين تبقى المؤسسات الناشرة للصحف بالمجلس الوطني للصحافة، الوحيدة التي تؤدي واجبات اشتراكها السنوي المحدد في 1 % من أرباحها الصافية، لأن من بين شروط الانضمام إلى الهيئات المهنية المماثلة نجد هناك شرط أداء واجب الانخراط وهو ما لا ينطبق على المنتسبين إلى هذا المجلس .إضافة إلى ذلك فإن الانتساب إلى الهيئات المهنية من قبيل المحامين، والأطباء ،والمهندسين ، يتطلب أساسا الحصول على دبلوم أو شهادة متخصصة وكذا اجتياز مباراة لولوج تلك المهن، إضافة إلى أن بعض المهن تشترط فضلا عن الدبلوم أو الشهادة، اجتياز المباراة، لابد من حصول على إذن من الإدارة (إذن يسلم من قبل الأمين العام للحكومة) قصد ممارسة تلك المهنة مثل المهندس المعماري وغيرها.وبالعودة إلى المشروع الذي يلاحظ العديد من المهنيين بأن واضعيه لم يلتزموا بالمقاربة التشاركية، كما أنه يقصى بشكل نهائي الهيئات التمثيلية للصحافيين، وفي مقدمتهم النقابة الوطنية للصحافة المغربية التي ساهمت في كافة محطات الحوار حول الصحافة والاعلام. ويعترف المشروع الحكومي، بالمقابل بمنظمات الناشرين ( الباطرونا ) التي ستتولى وفق ما تحققه من رقم معاملات وعدد العاملين بها، انتداب ممثليها بالمجلس الوطني للصحافة الذي يناط بها، مهام التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، ومنح بطاقة الصحافة المهنية، ووضع ميثاق أخلاقيات الصحافة والقيام بدور التحكيم والوساطة في النزاعات القائمة بين المهنيين أو بين هؤلاء والأغيار، فضلا عن إبداء الرأي في شأن مشاريع القوانين والمراسيم المتعلقة بالمهنة أو بممارستها، مع اقتراح الإجراءات التي من شأنها تطوير قطاع الصحافة والنشر وإعداد الدراسات المرتبطة بهما وبمخططات تأهيل القطاع.من بين الانتقادات الموجهة الى مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة القول بأنه يخالف المقتضيات الدستورية، وتغيير آلية انتخاب أعضاء المجلس، واعتماد معيار رقم المعاملات في انتداب الناشرين، وجعل قرار توقيف الصحف عن الصدورمن صلاحية المجلس لا بيد القضاء، مع ” تكريس مقاربة ضبطية تضعف استقلالية الجسم الصحفي، وتضر بالمكتسبات المتراكمة في مجال التنظيم الذاتي”.بيد أن وزير الشباب والثقافة والتواصل، يعتبر، أن المشروع عمل على توفير بيئة قانونية مستقرة للممارسة الصحفية، وينسجم مع أحكام الدستور ذات الصلة بحرية التعبير والتنظيم الذاتي لمهنة الصحافة والنشر متوقفا عند المستجدات التي جاء بها المشروع، بينها تقليص هيكلة المجلس من 21 إلى 19 عضوا، والرفع من تمثيلية الناشرين إلى 7 أعضاء تنتدبهم المنظمات المهنية، بالإضافة إلى عضوين من الناشرين الحكماء من ذوي الخبرة والكفاءةوفي الوقت الذي تعرب الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين عن اعتقادها بالآلية الجديدة التي جاء بها مشروع القانون في تشكيل أعضاء المجلس بانتخاب ممثلي الصحافيين مقابل انتداب الناشرين، ” لا يجب أن تفهم كعقبة، بل كمدخل لتعزيز الإصلاح،تعتبر الفدرالية المغربية لناشري الصحف أن هذه الآلية تعد “ترسيخا للتمييز بين المهنيين بطريقة اختيارهم”.فهذا التنظيم الذاتي الذي ينص على المشروع ( انظر المنتدى ) يختلف عن التجارب الدولية من البلدان السكندينافية التي عرفت اولى التجارب مرورا باوربا الغربية وحتي بالنسبة للبلدان العًلية والأفريقية وهو ما يجعله في منزلة وسطى مابين التنظيم والضبط مما قد يجعله اطارا هجينا.وعلى الرغم من بعض التباينات في الاراء والمواقف ما بين الاغلبية والمعارضة بخصوص مشروع القانون، يظل رهان الاستقلالية والمصداقية على هذا الاطار ليس فقط بالنسبة للصحافة والصحافيين ولكن لدى المجتمع وايضاً عن صورة البلد في مجال حرية التعبير وفي مقدمتها حرية الصحافة كما هو متعارف عليها عالميا.فبغض النظر عن السجال الجاري حاليا، يتعين على كافة مكونات الجسم الصحفي، من تنظيمات، وصحافيات وصحافين، العمل على فتح أفق جديد، بالبحث عن قواسم مشتركة، وهو ما يمر قطعا عبر تجاوز كل الخلافات خاصة ذات الطبيعة الذاتية لإعادة المصداقية لقطاع يعاني أصلا من الهشاشة، ويعرف تراجعا في منسوب الثقة التي كان يحظى بها من لدن الرأي العام، وهو ما يتطلب فتح حوار مسؤول يجمع كافة الأطراف المتدخلة في ميدان الصحافة والاعلام بدون اقصاء وتهميش، خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها قطاع الصحافة والإعلام، مع بذل المزيد من الجهود لتوسيع هوامش الحرية التي تعد بمثابة الرئة التي تتنفّس بها الصحافة وإحداث النقلة النوعية المطلوبة. آلاف المغاربة ينفرون إلى الرباط في مسيرة حاشدة للتنديد بتجويع غزة والمطالبة بفك الحصار وإسقاط التطبيع الأونروا: إسرائيل تجوِّع مليون طفل في غزة "فدرالية اليسار" تطالب بفتح تحقيق عاجل في تورط وزراء في قضايا فساد وتهرب ضريبي تقرير: المغرب ضمن 35 دولة إفريقية ما تزال بوضع قانوني "غير مؤكد" بشأن العملات الرقمية كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المغرب يواجه غانا في نصف النهائي يوم الثلاثاء الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس زمن النص القرآني والخطاب النبوي نقاش بلا طابوهات مع مُنَظِّر الدولة المغربية الوادي السعيد... حزينٌ على أهله! كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا
شهد قطاع المياه والغابات بالمغرب منذ يناير 2023 تحولا هيكليًا عميقًا، لم يقتصر فقط على إعادة تنظيم الإطار المؤسساتي، بل شمل أيضًا إعادة النظر في نموذج تدبير الأعمال الاجتماعية لفائدة العاملين به. هذا التحول لم يكن مجرد تغيير في الشكل أو التسمية، بل كان انتقالًا من منطق تقليدي قائم على جمعية مؤسسة وفق ظهير الحريات العامة، إلى منطق مؤسساتي حديث يؤسس لمنظومة شاملة ومندمجة، تستند إلى قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة. لقد كان تدبير الأعمال الاجتماعية سابقًا يتم في إطار جمعية غير خاضعة لأية آليات رقابة مالية رسمية، ما جعل أداءها الاجتماعي متواضعًا وهزيلًا، يعكس في العمق هشاشة البنية القانونية والتنظيمية التي كانت تحكمها، ويُترجم ضعف الميزانيات التي كانت تُخصص لها من قبل الإدارة المشرفة. وقد انعكس هذا الوضع بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمنخرطين، حيث ظلت محدودة في نطاقها، وموسمية في تنفيذها، وعديمة الأثر في تحسين أوضاع المستفيدين. اليوم، ومع إحداث مؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية والثقافية للمياه والغابات بموجب قانون صادقت عليه الحكومة وصادق عليه البرلمان بغرفتيه، دخل القطاع مرحلة جديدة تؤسس لتدبير عقلاني وفعال وشفاف للأعمال الاجتماعية. فالمؤسسة أصبحت تتوفر على مدير عام يُعين بمرسوم في مجلس الحكومة، وهيكلة إدارية متقدمة، وأهداف واضحة منصوص عليها في القانون المنشئ لها. كما باتت خاضعة لمراقبة المؤسسات الدستورية المعنية بالتدقيق والافتحاص، وهو ما يمنحها مشروعية مؤسساتية ومصداقية تدبيرية طالما انتظرها موظفو القطاع لسنوات. وفي هذا السياق، لا بد من الإشادة بالمجهودات النوعية التي بُذلت خلال الأشهر الأخيرة من طرف المدير العام للمؤسسة، السيد محمد عاكف، الذي تمكن بمعية اللجنة المديرية للمؤسسة من تحقيق إنجازات ملموسة على أرض الواقع. فقد نجحت المؤسسة لأول مرة في تنظيم مخيم صيفي نموذجي لفائدة أبناء منخرطيها بمدينة أكادير، حيث أجمع المستفيدون على جودة التنظيم وحسن التأطير. كما تم تنظيم برنامج اصطياف بمقومات عالية في كل من المضيق وبوزنيقة، استند إلى رؤية جديدة تقوم على المساهمة المالية المدروسة للمؤسسة وتوفير شقق اصطياف بمواصفات مناسبة، مع تمكين عدد كبير من المنخرطين من الاستفادة عبر أكثر من فترة زمنية. ورغم بعض الهفوات العرضية التي سجلت، خاصة ما تعلق بإخلال بعض مسؤولي المركبات السكنية بالتزاماتهم التعاقدية، فإن سرعة تدخل المؤسسة لتدارك الخلل تعكس يقظة الجهاز الإداري وحرصه على الوفاء بالتزاماته تجاه المنخرطين، وفق منطق يراعي جودة الخدمة وكرامة المستفيد. التحول الجذري الذي عرفته تجربة الاصطياف هذه السنة لم يكن ليتحقق لولا وضع معايير شفافة وصارمة في تدبير عملية الاستفادة، وهو ما قطع بشكل نهائي مع الممارسات السابقة التي كانت تفتقر للعدالة في التوزيع وللنجاعة في التنفيذ. إن إحداث مؤسسة الأعمال الاجتماعية لقطاع المياه والغابات، وما رافقه من مقاربة تدبيرية جديدة، يُعدّ تجسيدًا فعليًا لمبادئ الحكامة الجيدة، في مقدمتها الشفافية، والنزاهة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. وهو أيضًا خطوة في اتجاه ترسيخ ثقافة الاعتراف بحقوق الموظف في الاستفادة من خدمات اجتماعية تليق بكرامته، وتحفز على المزيد من العطاء والالتزام. وإذ نتابع هذه الدينامية الإيجابية في بداياتها، فإن الأمل يحدونا في أن تتعزز هذه التجربة خلال السنوات المقبلة، وأن تُطوَّر لتشمل مجالات اجتماعية أخرى كالسكن، الصحة، الدعم المدرسي، والثقافة، بما يضمن لموظفي القطاع إطارًا اجتماعيًا متكاملًا يستجيب لتطلعاتهم المشروعة، ويترجم فعليًا فلسفة “الموظف في صلب التنمية المؤسساتية”. آلاف المغاربة ينفرون إلى الرباط في مسيرة حاشدة للتنديد بتجويع غزة والمطالبة بفك الحصار وإسقاط التطبيع الأونروا: إسرائيل تجوِّع مليون طفل في غزة "فدرالية اليسار" تطالب بفتح تحقيق عاجل في تورط وزراء في قضايا فساد وتهرب ضريبي تقرير: المغرب ضمن 35 دولة إفريقية ما تزال بوضع قانوني "غير مؤكد" بشأن العملات الرقمية كأس أمم إفريقيا لكرة القدم للسيدات.. المغرب يواجه غانا في نصف النهائي يوم الثلاثاء الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس زمن النص القرآني والخطاب النبوي نقاش بلا طابوهات مع مُنَظِّر الدولة المغربية الوادي السعيد... حزينٌ على أهله! كلمة السر في فهم دورة العمران و عدوى التنمية بشرق أسيا.. علاقة الدولة بالمجتمع وسوء الفهم الكبير.. محاولة للفهم
الشيء الوحيد الذي اثار حفيظه المعلق الرياضي العُروبي القومي المتشبع بشعار انصر اختك ظالمه او مظلومه, هو حين حدث احتكاك بين لاعبه من الجزائر واخري من غانا. *احمد الدافري الرجل ذو اللكنه المشرقيه, الذي لا اعرف اسمه ولا جنسيته, الذي كان يعلق امس في قناه بيين سبورت علي مباراه ربع نهايه كاس امم افريقيا في كره القدم سيدات التي احتضنها الملعب البلدي بمدينه بركان, بين منتخب غانا ومنتخب الجزائر, تفنن في اعطاء نموذج عن التعليق الرياضي الخبيث الحقير, المتشبع بالحقد والعنصريه والبلاده والغباء, وبدا مثل ماريونيت يقوم باخراج الالفاظ من فمه بطريقه اليه مكتوبه سلفا, لتبرير اي اخفاق يتعرص له منتخب نساء الجزائر. المباراه في الاصل كانت جد ضعيفه, من جانب المنتخبين, لا ترقي الي الحد الادني مما هو مطلوب, ولا تستحق ان يتابعها من يري في كره القدم لعبه للامتاع. لقد كانت جد فقيره فنيا, ويمكن اختزالها في وجود لاعبات فوق الميدان, يجرين هنا وهناك, ويركلن الكره برعونه وبدون اي هدف. هذه تعفس علي تلك, وتلك تضع قدمها فوق قدم تلك, في اطار لعب عشوائي يكشف ان اللاعبات كنّ منهكات, غير قادرات علي فعل اي شيء اخر غير الخشونه وتضييع الكرات, سواء من جانب منتخب غانا او من جانب منتخب الجزائر. ورغم ان السيده الروانديه التي تم تكليفها بالاشراف علي التحكيم داخل الميدان, كانت تبذل قصاري جهدها من اجل اداء مهمتها بنزاهه, فان المعلق في القناه القطريه لم يتوقف عن الاساءه اليها بكلام جارح فيه اتهامات لا تستند علي اي اساس. كان يحاول ان يوحي للمشاهدين بانها منحازه للاعبات الغانيات. بل وصل به الامر انه اتهمها في ضربات الترجيح بانها تستفز اللاعبات الجزائريات وتحاول ان تخرجهن من تركيزهن حتي يضيعن الضربات. وهذا كلام خطير, لو كان للقناه التي يشتغل فيها هذا المعلق قانون لاخلاقيات المهنه, لحاسبته عليه, لكن يبدو ان اداره القناه لا تهمها اخلاقيات المهنه, وانما يهمها ان يتكلف معلقوها بدغدغه عواطف مشاهديها الذين تعتبرهم عربا, وترغب في اظهار انها منحازه الي بلدانهم وانها تشجع منتخباتهم ضد منتخبات بلدان اخري غير عربيه. السيده الروانديه مثل كل حكام العالم, كانت تجد نفسها احيانا في وضع لا يسمح لها بان تري ما حدث بدقه, وترتكب اخطاء, هي ومساعدتاها. وهي اخطاء يمكن ان يرتكبها كل حكام العالم. في مره, بعد ان اعاد المخرج اللقطه, اتضح ان الكره كان من المفروض ان تكون ضربه ركنيه لفائده غانا بعد ان لمستها لاعبه الجزائر, لكن تم الاعلان عن ضربه مرمي لفائده منتخب الجزائر, وتم حرمان منتخب غانا من ركنيه. وفي مره ثانيه, بعد الاعاده, اتضح ان لاعبه جزائريه كانت هي اخر من لمست الكره قبل ان تخرج, لكن تم الاعلان عن رميه جانبيه لفائده منتخب الجزائر في نصف الملعب الغاني, رغم احتجاج اللاعبه الغانيه التي كانت مشاركه في اللعبه. وفي مره ثالثه وضعت لاعبه جزائريه قدمها فوق قدم لاعبه غينيه واعاقتها عن مواصله اللعب واسقطتها, ولم يتم الاعلان عن اي خطا. وفي مره رابعه وجهت لاعبه جزائريه عن قصد, وبدون كره, ركله لساق لاعبه غانيه, وكان من الممكن ان تتسبب لها في اصابه خطيره, ولم يتم الرجوع الي الفار لتقدير هل الاعتداء يستحق طرد اللاعبه الجزائريه ام تستحق فقط انذارا. الشيء الوحيد الذي اثار حفيظه المعلق الرياضي العُروبي القومي المتشبع بشعار انصر اختك ظالمه او مظلومه, هو حين حدث احتكاك بين لاعبه من الجزائر واخري من غانا. وفي اللحظه التي حاولت فيها اللاعبه الغانيه السبق نحو الكره, لمست اللاعبه الجزائريه بمرفقها في وجهها, مما تسبب لهذه الاخيره في جرح, وهي العمليه التي لم تكن السيده الروانديه في موقع يسمح لها بان تحكم عليها بدقه, مما جعلها تامر بمواصله اللعب, قبل ان يتضح من خلال الاعاده ان اللاعبه الغانيه لمست بالفعل وجه اللاعبه الجزائريه, لكن لم يكن هناك تعمد ولا قصد ولا هم بحزنون, بل ان الاحتكاك كان عاديا, لكن المعلق الرياضي اعتبر ان هناك مؤامره تحكيميه ضد الجزائز, وبدا يطالب بطرد اللاعبه الغانيه عوض انذارها, بل انه طيله اطوار المباراه بشوطيها الاضافيين, لم يتوقف عن اعطاء تاويلات بئيسه, تعبر عن حقد وتحامل, اذ ان اي قرار تحكيمي, مهما كان عاديا وطبيعيا, يفسره علي اساس ان الهدف منه هو تنفيذ مخطط ضد نساء الجزائر. ولعل الامر المثير للضحك وللشفقه من حال هذا المعلق, هو ان لاعبه غانيه سجلت هدفا بدا للجميع انه مشروع ولا مشكله فيه, وحتي عندما تمت الاعاده بدا ان اللاعبه الغانيه التي تسلمت الكره وقدمت الاسيست كانت في نفس الخط مع مدافعه جزائريه, ولا يمكن اطلاقا الجزم بانها كانت في حاله تسلل. لكن بعدما تم الاعلان عن هدف واستسلمت اللاعبات الجزائريات للقرار, طالبت السيده الروانديه بالتريث والانتظار, الي ان يتم اعطاء القرار من غرفه الفار, وتوقف اللعب لمده فاقت ثلاث دقائق, لتعلن اخيرا ان الهدف غير مشروع, بينما الاعاده اظهرت انه لا وجود لتسلل ولا هم يحزنون, وهو ما يمكن بالتاكيد وفق المنطق نفسه الذي كان معلق بيين سبورت يري به المباراه, اعتباره مؤامره ضد منتخب غانا, تم تدبيرها في كواليس الاتحاد الافريقي لكره القدم من اجل اقصاء منتخب غانا. امر اخر مثير للضحك والسخريه من حال هذا المعلق العُروبي القومي الذي يعتقد ان التعليق الرياضي هو ان تشحن الناس ضد فريق تتوهم انه عدو وليس مجرد منافس في مباراه رياضيه, هو انه لم يكن يجرؤ علي ان ينطق الاسم الصحيح للاعبه جزائريه اسمها امينه ولد براهام Amina Ould Braham. كان تاره يسميها امينه ولد برام, وتاره امينه ولد برايم وتاره امينه ولد براين. المهم هو انك لا يمكن ان تسمع منه اسم ولد براهام. لان عقليته وثقافته وفكره مترسخ فيها ان اسم براهام هو اسم عِبري يهودي وليس اسما عربيا. وكان يخاف ان نطق براهام ان يقترف ذنبا عظيما, باساءته الي العرق الجزائري الذي يريده ان يكون عربيا خالصا ولا وجوذ فيه لاي اختلاط مع اي عرق اخر. انها حاله من حالات التعليق الرياضي التعيس البئيس, الذي يعكس صوره متخلفه عن اخلاق اعلام تجاوزه الزمان. وهذا ما كان. *كاتب / صحفي The post appeared first on <a href="
جميع الحقوق محفوظة لموقع رعد الخبر 2025 ©